للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل الدين عن الحكومة ... *

- ١ -

ما زالت هذه الحكومة تمزج الصلف بالتصلّب، والتردّد بالتقلّب، وتخلط الممانعة بالمدافعة، وتؤيّد التحيّل بالتخيّل، وتكمل الإصرار على الباطل بالعناد فيه، في قضية حقّنا فيها أوضح من الشمس، وباطلها فيها أعرق من الإدبار من أمس.

وما تزال تهيم في أودية من الضلال، وتتصامّ عن الأصوات المتعالية من أصحاب الحق، بطلب الحق، وتتعامى عن الحقائق التي بينّاها لها، وعن النذر التي جلتها عليها الأيام، وتحن إلى تقاليدها الاستعمارية البالية في التسلّط على ضمائر المستضعفين ومعنوياتهم لتفسدها عليهم، فهي تظهر في كل يوم بجديد، في مسألة لا قديم لها فيها ولا جديد ... ونحن لا نستغرب هذا ولا أكثر من هذا من حكومة تدين بالهوى لا بالعقل، وترتجل الأحكام حيث يجب التروّي، وتتروّى حيث يجب الارتجال، وتدور على قطب قلق من المكاتب المتعاكسة، ورؤساء المكاتب المتشاكسين، وعلى تواطؤ في التباطؤ، يُفني الآمال، ويُضني الآملين، ويضلّ الأعمال، ويملّ العاملين، لا على شورى تعصم الرأيَ من الضلال، ولا على استبداد يحرم الرأي من الظهور! ولعمري ... إن هذه الحالة هي شرّ ما تُساس به الأمم وتُدار به الحكومات، ويصاب به الحاكمون حين يصابون بالأزمات النفسية، والقلاقل الفكرية، والزعازع الحزبية، والأمراض العنصرية، وهو أسوأ ما تبتلى به الشعوب التي تدور عليها كواكب النحس، فتوزن بموازبن البخس.

كأني بهذه الحكومة اللايكية المسيحية- معًا- الديمقراطية الديكتاتوربة- معًا- ترمي ببصرها إلى ما وراء حدود الجزائر من الأقطار الإسلامية الحرة في ديانتها، المدبرة لشؤونها الدينية بنفسها وبحكوماتها، فترى أن حكومات تلك الأقطار هي القائمة على شؤون الدين،


* نشرت في العدد ٧٥ من جريدة «البصائر»، السلسلة الثانية، ١١ أفريل سنة ١٩٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>