للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من ثمرات الأخوة الإسلامية]

شخصية باكستانية تزور الجزائر *

ــ

ما زال الإسلام- وإن ضعفت آثاره في نفوس أهله وضعفت عقولهم عن فهم حقائقه- يشعّ بالروحانيات التي تقهر المادة وتغلبها على سلطانها، حتى في أيام صولتها وحولها، وما زال يجمع قلوب أبنائه على نوع غريب من الأخوة تُنسيهم إياه الأحداث، ثم يتنبّه في نفوسهم بأيسر منبّه.

أمعنت عوامل الشر في تشتيت المسلمين والتبعيد بين قلوبهم باختلاف المذاهب والمنازع في الدين والدنيا، وبين أبدانهم بالسدود المانعة، والحدود الفاصلة، وبين ألسنتهم بكثرة اللغات والرطانات، ولكن قوة الروحانية في الإسلام تغلّبت على تلك العوامل كلها وأبقت في نفوس المسلمين سمة ثابتة لا تنمحي، ولكنها تختفي حتى تظنّ بها الظنون، ثم تستعلن فتخيب الظنون.

ولو أن أمة ذات دين ظهر بها وظهرت به، ثم أصابها بعض ما أصاب المسلمين من انحلال وتفكك وبلايا ومحن لَنسيتْ دينها أو لَكفرتْ به ولم يبق من آثاره فيها ولا من آثارها فيه شيء، ولكنّه الإسلام، ولكنه سلطان الإسلام على النفوس.

زار الجزائر في الأسبوع الماضي ضيف باكستاني مسلم يجمع بين ثقافة إسلامية عالية، مظهرها فهم عميق لحقائق الإسلام، واطلاع واسع على دقائق تاريخه، وتطبيق حكيم لنظريات الإسلام على تطورات الزمن، وبين ثقافة إنكليزية واسعة، مظهرها تمكن من لغة الانكليز وآدابها، وتأثر بسعة صدور الانكليز وصراحتهم واعتدادهم بأنفسهم ... ، يجمع بين الثقافتين من غير أن تضار إحداهما الأخرى لتمكنه فيهما معًا، ممّا يدل على أن مضارة ثقافة لثقافة إنما تكون من القوية في نفس المثقّف للضعيفة فيها.


* "البصائر"، العدد ١٣٦، السنة الرابعة، ٨ جانفي ١٩٥١ (بدون إمضاء).

<<  <  ج: ص:  >  >>