للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليبيا، ماذا يراد بها؟ *

شاعت بيننا- معشر المستضعفين- كلمة خاطئة، ألجأنا إليها الضعف وأملاها علينا العجز، فألفناها حتى غطّى الإلف خطأها وسخافتها، ويسرها التعوّد على الألسنة والأقلام، كما يسّر كلمة الكفر على لسان قائلها، وكأننا ورثناها عن الساسانيين أصحاب الكُدية، لا أصحاب الملك والدولة؛ وإن كانت لغة الساسانيين مبعثها الجبلة، والجبلة شعبة من القوة؛ فكلمتنا هذه مبعثها الاستخذاء، والاستخذاءُ وليد الضعف.

هذه الكلمة الخاطئة هي "طلب الاستقلال" ومعناها في الواقع، طلب الحق من غاصبه، أو طلب الملك من سالبه؛ ولو كان من طبيعة الغاصب السالب أن يرد المغصوب فيئَة إلى الرشد، وإنابةً إلى الله- لردَّهُ من غير طلب، ولا رفع دعوى، ولا إقامة دليل.

أما الكلمة المصيبة لهدف الحق فهي "العمل للاستقلال" ... إن العامل للشيء سائر إليه بذرائعه الطبيعية خطوةً خطوة؛ فهو واصل إليه لا محالة؛ وهو آخذٌ له حين يأخذه بالاستحقاق الطبيعي؛ أما طالب الشيء- في مفهومه العرفي- فهو كطالب الصدقة، إما أن يعطى وإما أن يُحرم؛ فإن أعطِيَ فبفضل، وإن حرم فبعدل؛ وعجيبٌ أن تعيش هذه الكلمة الجوفاءُ بيننا مع كلمة عبقرية تضارها وتناقضها، وهي أن "الاستقلال يؤخذ ولا يعطى".

شروط الاستقلال الحقيقية هي: الإيمان به مع التصميم، ثم العمل له مع الإصرار، ثم المحافظة عليه بعد تحصيله، وليس منها- عندنا- إلا طلبه ...

وإخواننا الليبيون عملوا للاستقلال على قرب عهدهم بانتزاعه منهم، وبذلوا في استرجاعه فوق ما يبذله من في منزلتهم من الضعف والقلة؛ وإن حبله لم ينقطع من أيديهم، وإن روائحه العطرة لتُفعم أنوفهم، وإن أخيلته الجميلة لتتراقص في أذهانهم، وإن ذكرياته لماثلة


* نشرت في العدد ١١٣ من جريدة «البصائر»، ٢٧ مارس سنة ١٩٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>