أوجّه طلائع الحديث في هذه الليلة إلى الشباب الذين هم الساف الجديد في بناء الأمة، والدم المجدّد لحياتها، والامتداد الطبيعي لتاريخها، وهم الحلقات المحققة لمعنى الخلود الذي ينشده كل حيّ عاقل ويتمناه حتى إذا فاته في نفسه التمسه في نسله، وقربت له الأماني معنى من معنى، فتعلّل بالخيال عن الحقيقة، وتسلّى بشبه الشيء عن الشيء، ودأب جاهدًا في تدنيته وتوفير الراحة والهناء والسعادة له، ويعلّل نفسه بأنه سيرث اسمه وماله وهو لا يعلم أنه سيموت اسمه ويُبدّد ماله، وما زالت التعلات صارفة عن اليأس منذ طبع الله الطباع.
وأقول: الشباب. ولستُ أعني بهذا اللفظ معناه المصدري في عرف اللغة، ولا ذلك الطور الثالث من عمر هذا الصنف البشري في مقاييس الأعمار، وإنما أعني بهذا اللفظ طائفة من الأناسي انتهوا في الحياة إلى ذلك الطور الثالث بعد الطفولة واليفاعة، فجمعتهم اللغة على شبيبة وشبّان، ووصفتهم بالمعنى في نحو لطيف من أنحائها فقالت: شباب وشبيبة، كما وصف القرآن محمّدًا بأنه رحمة، وكما وصفت الخنساء الظبية بأنها إقبال وإدبار، ثم جمعتهم سنّة التكامل على القوة والفتوة، وجمعهم اتحاد السنّ أو تقاربه على التعاطف والأخوّة، وجمعهم الدين على التكاليف والواجبات، ووقفت بهم الحياة على جددها، تعرض عليهم السعادة في صور ملتبسة بالشقاء، والشقاء في صور ملتبسة بالسعادة، واكتنفتهم الملائكة والشياطين، أولائك يدعونهم إلى الجنّة محفوفةً بالمكاره، مسوقة بالصبر والألم، وهؤلاء يدعونهم إلى النار ملفوفة بالشهوات، مسوقةً بالإغراء والتزويق والتزيين- ووقفنا نحن معاشر الآباء من ورائهم، نتمنّى لهم ونتجنّى عليهم، ونقترف في حقهم ولا نعترف بظلمنا إياهم، ونُرخي في تربيتهم أو نشدّد، ولكننا لا نقارب ولا نسدّد، ونعطيهم من
* محاضرة ألقاها الإمام في أحد أندية الشباب بالقاهرة.