للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ديوان «مع الله» *

للشاعر عمر بهاء الدين الأميري

ــ

قرأت هذا الديوان الصغير، الذي احتوته هاتان الدفتان ... ثم جاد الزمن علي بمعاشرة الشاعر ... عمر بهاء الدين الأميري ... في كراتشي، أسابيع، وتلطف فأسمعي كثيرًا من شعره، مكتوبًا ومحفوظًا، فدهشت لهذه الشاعرية الجيّاشة، التي وهبتها الفطرة الصافية لهذا الوزير الشاعر، وهذا الخيال الخصب الذي يفيض بالمعاني فيضًا ...

... وأقوى ما تبدع هذه الشاعرية، فيما لاحظت، حين تتصل نفس شاعرنا بالله، وبمجالي آياته في الكون، وبأسرار النفس البشرية وغوامضها، وصلاتها بما يجاورها من مخلوقات، ونسبتها إلى هذه العوالم، المنظورة والمغيبة.

كذلك حين تتصل أو تماس الآلام أو الآمال، فهنا ترى نوعًا غريبًا من الإبداع في الوصف، ونوعًا آخر من التحليق، وتسمع خفقات تتبعها زفرات ... تتبعها أنّات ... تنبعث منها آهات ... يمزجها الشاعر في مقاطيع صغيرة، من البحور القصيرة، سهلة السبك، سهلة القافية، فتأتي مؤدية لمعانيها، وكأنها بين الآهات انقطاع واستراحة ...

ولشاعرنا "خماسيات" تعوّد منذ سنين أن ينظمها في أيام "رمضان" وكأنها تجليات من روحانية هذا الشهر المبارك، على نفس الشاعر الرقيقة، التي يذكيها الاتصال بالله.

إن لإيمان صاحبنا الوزير الشاعر، وتقواه، وتربيته الدينية، ومحافظته على الشعائر، دخلًا كبيرًا في تلوين شاعريته، واضفاء جلال الدين عليها ... وهو في هذا شبيه بمثله من الشعراء الأتقياء- وقليل ما هم- ومنهم شاعر الجزائر محمد العيد. ولكن للأميري نفسًا مرحة، وشأوًا في الأحماض بعيدًا، ولكنه لا يجاوز لسانه، وهيامًا بالجمال في أكمل معانيه، لا يتدلى إلى المعاني التافهة، التي يسف إليها أصحاب النفوس الصغيرة ... وللشعراء في فهم


* ديوان «مع الله»، دار الفتح، بيروت (لبنان)، ١٣٩٢هـ، [ص:٢١٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>