للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفحات من الشعر الجزائري الحديث*

مقدمة كتبها الشيخ لقصيدة "تحية الحجاج" للشاعر محمد العيد

ــ

تلم بشاعر الشمال الأفريقي محمد العيد آل خليفة في هذا العهد الأخير نوبة نفسية غريبة عن شعراء المادة، وما هو منهم ولا هم منه، وكان من آثار هذه النوبة في نفسه ايثاره للعزلة عن الناس، وهجره لقول الشعر، وكان من ثمراتها المرة للأمة حرمانها من صوت ذلك الطائر الغرد، وهي تخشى أن تحتد هذه النوبة وتشتد، فتنعكس إلى نزعة صوفية جارفة تقضي على تلك الشاعرية الجياشة بكل شاردة من الحكم الفياضة بكل بديع من القول.

حرام أن تحرم الجزائر من نفثات شاعرها الفذ، وحرام أن يبقى شعر ذلك الشاعر الفحل غير مدون ولا مطبوع، ولكن من المسؤول عن ذلك؟ المسؤول الأول هو الشاعر نفسه، فقد أردناه على جمع شعره، وكفيناه مئونة التصحيح والتعليق والانفاق، فأبى وتصعب، وتفنن العذر منه وتشعب، وما ذلك في نظرنا الا أثر من آثار تلك الحالة النفسية التي أشرنا إليها.

وهذه قصيدة جديدة مملوءة بالحكم، ترسلها قريحة الشاعر العبقري، في الوقت الذي يرجع فيه الحجاج من الحجاز، يهنيء فيها المستحقين بقبول التوبة وسلامة الأوبة، ويتخلص إلى أفانين من الحكمة والوصف.

وليس كل الحجاج يستحقون هذه التهنئة، ففيهم من حج زورا، وعمل منزورًا، ورجع موزورًا، وأهدى بدنة فكأنما قرب زرزورا، ولكن التجليات التي غمرت الشاعر ففاضت قريحته بهذه القصيدة، هي التجليات الزمنية، فهذا الوقت هو زمن رجوع الحجاج إلى مواطنهم، بلا فرق بين المشرق منهم وبين المغرب، ولا فرق بين البر والفاجر، فهنأ


* "البصائر"، العدد ٩٤، السنة الثالثة من السلسة الثانية، ٧ نوفمبر ١٩٤٩ (بدون إمضاء).

<<  <  ج: ص:  >  >>