للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رسالة إلى المودودي]

القاهرة في ٢٨ يوليو سنة ١٩٥٥

حضرة الأخ الأسعد العلامة الناصر لدين الله الأستاذ الكبير أبي الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية- لاهور بباكستان:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وصلتني رسالتكم الكريمة تهب بنفحات من تلك النفس الزكية التي صفت كما يمفو الذهب على السبك، وابتلاها الله بأقسى ما يبتلي به عباده المؤمنين فصبرت وحققت أن صاحبها ممن وصفهم القرآن بأنهم أحسن عملًا، ومحصها بأصناف من التمحيص فخلصت متلألئة مشرقة سامية عن المعاني الترابية التي ارتكس فيها كثير من هذا الصنف العلي ووا أسفاه.

الإسلام- أيها الأخ الجليل- في حاجة اليوم إلى ذلك الطراز السامي الذي قام عليه عموده في الأرض يوم نزل فيها على قلب محمد - صلى الله عليه وسلم -، محتاج إلى تلك الأمثلة العالية من الصبر على الحق والموت في سبيله، ولقاء المنايا كالحات في ميدان نصرته، وإعزاز قبيله، وتمهيد سبيله، وقطع البراري والبحار لنشره وغرسه وتثبيت عقائده في النفوس وقواعد ملكه في الأرض، وما انحصر الإسلام إلى هذه الدركة- التي تشكوها ويشكوها أخوك والنفر القليل من العلماء الربانيين- إلّا يوم أهان علماء الدين أنفسهم، فهانوا على الله، فهانوا على الناس، وأصبحوا صورًا مزورة على الحقائق، وأصبح الإسلام في نفوسهم وألسنتهم وأحوالهم وأعمالهم صورًا مزورة عن حقائقها أيضًا، ويا شؤمهم على الإسلام.

وصلتني رسالتكم فوردت على قلب مفعم بحبكم في الله، وعلى نفس مملوءة بعرفان قدركم والتغالي في قيمتكم، وذهن عامر بأعمالكم للإسلام وتفانيكم في تجلية حقائقه والذود عن حياضه في وقت قل فيه الذادة عنه، والقادة إليه، والسادة به، فما منا إلّا المذود المقود المسود.

<<  <  ج: ص:  >  >>