للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كنت أقوم للجمعية بكل واجباتها، وأقوم للجريدة بكل شيء حتى تصحيح النماذج، وأكتب الافتتاحيات بقلمي، وقد تمر الليالي ذوات العدد من غير أن أطعم النوم، وقد أقطع الألف ميل بالسيارة في الليلة الواحدة، وما من مدرسة تفتح إلّا وأحضر افتتاحها وأخطب فيه، وما من عداوة تقع بين قبيلتين أو فردين إلّا وأحضر بنفسي وأبرم الصلح بينهما، وأرغم الاستعمار الذي من همه بث الفتن، وإغراء العداوة والبغضاء بين الناس، فكنت معطلًا لتدبيراته في جميع الميادين.

____

[ضرورة الانتقال إلى التعليم الثانوي]

____

بلغ عدد المدارس الابتدائية العربية أربعمائة وزيادة، وبلغ عدد تلامذتها إلى اليوم الذي سافرت فيه إلى الشرق مئات الآلاف بين بنين وبنات، وبلغ عدد معلميها ألفًا وبضع مئات، وبلغت ميزانيتها الخاصة (وهي فرع من الميزانية العامة لجمعية العلماء) مائة مليون فرنك وزيادة إلى نهاية خروجي من الجزائر سنة ١٩٥٢. ولما بلغ عدد المتخرجين من مدارسنا بالشهادة الابتدائية عشرات الآلاف، وجدت نفسي أمام معضلة يتعسر حلها، ذلك أن حاملي هذه الشهادة ذاقوا حلاوة العلم فطلبوا المزيد، وأرهقوني من أمري عسرًا، وألحوا عليَّ أن أتقدم بهم خطوة إلى الأمام، وحرام علي- على حد تعبيرهم- أن أقف بهم دون غاياته، فكان واجبًا علي أن أخطو بهم إلى التعليم الثانوي، وأهبت بالأمة أن تعينني بقوة أبلغ بها غرض أبنائها، فاستجابت فكان ذلك مشجعًا على إنشاء معهد ثانوي بمدينة قسنطينة نسبناه إلى إمام النهضة ابن باديس، تخليدًا لذكره، واعترافًا بفضله على الشعب، فاشترينا دارًا عظيمة واسعة من دور عظماء البلدة، وجعلنا منها معهدًا ثانويًا، وهيأنا له من سنته الأساتذة والتلامذة والكتب والمال، فكان التعليم فيه بالمعنى الكامل عند غيرنا من الأمم ببرامجه وكتبه وأدواته، وكان هذا المعهد تاجًا لمدارس جمعية العلماء وغرة في أعمالها، وكانت نيتي معقودة على إنشاء معهدين ثانويين آخرين، أحدهما بمدينة الجزائر، والثاني بمدينة تلمسان، وقد بلغ تلامذة المعهد الباديسي في السنة الأولى ألفًا أو يزيدون، وكلهم منتخبون من مدارسنا الابتدائية من جميع القطر، ثم اشترينا من مال الأمة دارًا أخرى تتسع لسكنى سبعمائة طالب، وبعد خروجي لهذه الرحلة افتتحها إخواني من بعدي بعد أن قسموها إلى قاعات نوم فسيحة بأسرتها، ودواليب الثياب، وكتب المطالعة، على ترتيب بديع، وفي الدار ما يريح الطالب من مغتسلات، وحمامات، ومطابخ، وغرف طعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>