للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[- ١ -]

مقدمات:

ــ

تقسم مواد التعليم العربي الابتدائي في مدارس جمعية العلماء، المفضلة في هذا البرنامج، على ست سنوات متوالية، هي المراحل الأولى في عمر التلميذ الناشئ، ويحصل حين يتجاوزها بنجاح على شهادة تسمّى "شهادة التعليم العربي الابتدائي"، صحيح التأدية للقراءة، طيّع اليد والقلم بالكتابة، محصلًا لمبادئ الدين الإسلامي علمًا وعملًا، ولمبادئ التاريخ الإسلامي الذي هو جزء من الدين، وأول تلك المبادئ، السيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين وذوي الآثار الخالدة في الإسلام من الصحابة والتابعين. ويحفظ في هذه المراحل أجزاء من القرآن حفظًا متقنًا مع فهم المفردات الغريبة وخلاصة المعنى، ومبادئ التجويد دراية، بكيفية تؤهّله للتوسع في هذه المواد وبلوغ الدرجات العليا فيها إن لم ينقطع عن التعليم. فإن انقطع عن التعليم استطاع، بمعونة حظه من العربية أن يبلغ ما شاء بالدراسة والمطالعة، لأنه يقرأ قراءة صحيحة، ويفهم فهمًا صحيحًا، وخرج- على الحالين- برأس مال عظيم من دينه وفضائل دينه، وقوميته ولغته وتاريخه. ونتيجة هذا أن يكون عضوًا حقيقيًا من أمّته، صالحًا للحياة لها وبها ومعها، نافعًا محبًّا محبوبًا، حريصًا على ذلك، عاملًا له، داعيًا إليه. وهذه هي الغاية من التربية الصالحة، والتعليم النافع.

...

يجتاز التلميذ الناشئ هذه المراحل الست- إن لم يعقه عائق- حينما يجتاز العقد الأول من عمره بقليل، فيكون غذاؤه العقلي مسايرًا لغذائه الجسمي، ويكون تكوينه الروحي جاريًا مع تكوينه البدني في عنان واحد، ويكون نموّ مداركه العقلية بالعلم والمعرفة مقارنًا لنمو إحساساته النفسية بالطبع والفطرة، فيتلقى العقد الثاني من عمره- وهو عهد الإحساس بجمال الحياة- مزوّدًا بإحساس آخر، وهو الإحساس بجمال العلم وشرف الفضيلة والدين. ويتلقى هذا العهد الذي هو أيضًا، عهد النزوات وتنبه الغرائز الفطرية، مسلّحًا بما يدفع غوائلها، ويشذب زوائدها، ويهذب حواشيها.

مراحل التعليم الابتدائي هي- بالأصول- مراحل التكوين الأول للناشئة وعلى أساسها يُبْنَى مستقبلهم في الحياة، فإن كان هذا التكوين صالحًا كانوا صالحين لأمّتهم ولأنفسهم. وإن كان ناقصًا مختلًّا زائفًا بنيت حياة الجيل كله على فساد، وساءت آثاره في الأمّة، وكانت الأميّة أصلح لها منه وأسلم عاقبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>