للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقاء ووفاء *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أيها الاخوان:

هذا أول اجتماع نعقده بعد أربع سنوات ونصف، مرّتْ كليالي الهجر على المحبّ العميد، بين اعنات الليالي بخطوبها السود، وقسوة الأيام بأحداثها الصم، وتجنّي الخصوم بكيدهم الجبّار ومكرهم الكبّار، وبين الفتن المتلاحمة التي تطير فيها الألباب، وتتناكر في ظلماتها الأحباب، ويتنكب فيها الرأي واللسان جادّة الصواب، والمواقف التي زلّت فيها أقدام وضلّت أحلام، ونكص على العقب أقوام وأقوام.

فنحمدُ الله على أن ثبَّتَ هذه الفئة القليلة بالقول الثابت، وأخذ بأيديها إلى ساحة اليقين وساحل النجاة، فلم تزغ لها في الحق عقيدة، ولم تَهِنْ لها في قوله وفعله عزيمة، ولم تَلِنْ لها في مصارعة الباطل والمبطلين شكيمة، ولم يَثْنِها عن مبدئها الحق ما لقيتْ من أذى وظلم وهضيمة، ولا فتن لها في مداحض الشبهات رأي ولا طانت روية، ولا لاذتْ في معترك القوة والحق بالمداورة ولا بالتقية، ولا خضعتْ لطواقعيت الجور مهما طغت وبغتْ، وبلغتْ من العتوّ والجبروت ما بلغتْ، بل ما زادها ذلك إلّا إيمانًا بربّها، واعتدادًا بنفسها، واعتمادًا على حقّها، واعتزازًا بإسلامها، وثباتًا على مبدئها، وثقةً بخالقها، ووفاءً بعهدها، وقيامًا بواجبها، وبرًّا برجالها، ووفاءً لإمامها.

أيها الاخوان: إن الإسلام لَمفتقر في هذا الطور الأخير من حياته إلى ذلك الطراز العالي من البطولة التي عهدها في أبنائه الأولين، وإلى ذلك النوع السامي من التضحية في سبيله واستحلاء الأذى في الدعوة إليه، ومواصلة الكفاح للكائدين له، وهي الخلال التي قام بها بناؤه حينما قام


* نص الخطاب الذي ألقاه الشيخ في أول اجتماع للمجلس الإداري لجمعية العلماء بعد إطلاق سراحه من منفى آفلو، وذلك سنة ١٩٤٣، ووجدنا مسودته في أوراق الشيخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>