للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أعمال الجمعية لحفظ الإسلام على مسلمي فرنسا]

في فرنسا جاليات إسلامية مختلفة تبلغ مئات الآلاف، وفيها من العمّال الجزائريين وحدهم نحو أربعمائة ألف، وهم في ازدياد مطرد، بسبب ما ضيّق الاستعمار على الجزائر من سبل المعيشة، فهاجرت هذه الجالية تطلب العيش من طريق العمل واستقرّت في مراكز الصناعات في فرنسا، وتزوّج كثير منهم من أوربيات عاملات وولد لهم في أرض مسيحية من زوجات مسيحيات، فكانت النتيجة اللازمة لهذا أن الآباء أضاعوا دينهم بتأثير البيئة فضلًا عن الأبناء الذين اجتمعت عليهم البيئة والأمهات والقانون، إنهم بلا شك ينشأون مسيحيين خالصين.

هال جمعية العلماء هذا الخطر الذي يسلخ من الأمة الجزائرية على التدريج أجيالًا، فيكون ذلك نقصًا منها وزيادة في عدوّها، فصمّمت على أن تنقذ ما يمكن إنقاذه من هذا العدد الضخم، فندبت أحد شبابها المجاهدين، وهو الاستاذ الفضيل الورتلاني للقيام بهذا العمل في باريس سنة ١٩٣٦، فأسّس في سنة واحدة ثمانية عشر مركزًا تعليميًا في باريس وأطرافها، ثم وسّع الحركة إلى المدن الكبيرة في جنوب فرنسا وشمالها، وتعددت المراكز وأمدّته الجمعية بالمعلّمين، فكانت تلك المراكز تعلّم الأطفال العربية والدين ساعات من النهار، فإذا جاء الليل أقبل الكبار فتلقّوا دروسًا سهلة في أصول الدين وفروعه ومارسوا العبادات العملية، فكانت هذه المراكز كخلايا النحل لا تنقطع منها الحركة، وكان الإقبال عظيمًا، وقد أثمرت تلك الحركات ثمرات ما زالت حديث الناس، وتردّد على تلك المراكز عظماء العرب من الزوّار وأبناء العرب من التلامذة فأعجبوا بالعمل ونظامه وأعظموا نتائجه، وكانت جمعية العلماء الجزائريين مضرب المثل بينهم، ولكن الحرب الأخيرة قضت على ذلك العمل المثمر فلم تبق إلا الأحاديث والأماني والحسرات، وحاولت جمعية العلماء الجزائريين إطلاقه مجددًا، فأوفدت منذ عامين رئيسها ووكيلها إلى باريس ليدرسا المشروع ويحاولا إحياءه بقدر المستطاع، فاعترضتهما عقبة أخرى بعد عقبة المال وهي استحالة وجود الأماكن إلا بأثمان فاحشة، ولم يحصلا من رحلتهما إلا ما يثير العبر، ويسيل العبرات، وهو أن عدد العمّال الجزائريين في باريس وأطرافها جاز مائة وخمسين ألفًا، وأن عدد الأولاد الذين نسلوهم من أمهات مسيحيات يزيد عن عشرين ألفًا من بنين وبنات، وهذا في باريس وحدها، وهو قليل من كثير ... وما زاد وفد الجمعية على أن اشترى مركزًا متواضعًا ليكون رمزًا للمشروع ونقطة بدء في تحقيقه.

إن هذا المشروع لا تقوم به إلا حكومات إسلامية متضامنة تمدّه بالمال وإن هذا الواجب ليس مقصورًا على جمعية العلماء الجزائريين وحدها، بل على المسلمين كلهم، وفي طليعتهم الحكومات العربية، فهل يبلغ آذانهم هذا الصوت؟ وهل يحرّك هممهم إذا بلغها؟

<<  <  ج: ص:  >  >>