للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القيروان، ثم انتشرت في المغارب الثلاثة على أيدي دعاة متشددين، وهذا المذهب لا يرى الخضوع لسلطة عباسية ولا علوية، ولا يرى صحة الإرث لبيت ولا لقبيل في الخلافة الإسلامية، بل يرى الخلافة للأصلح، ويرى استعمال السيف لإقرار هذا المبدإ الذي هو جزء من العقيدة فيه، فاغتنم دعاة هذا المذهب ومعتنقوه فرصة اضطراب الأمر في القيروان، واختلاف الولاة عليه وتوارث آل عقبة بن نافع للإمارة وانهماكهم في حروب صقلية- فلم يضيعوا هذه الفرصة- واستولى أبو الخطاب بن السمح على القيروان، وهو أحد دعاتهم في السلم وقادتهم في الحرب، وهو داعية عربي لمذهب الخوارج، ومعه قائدان مشهوران من قوادهم: أبو حاتم يعقوب بن حبيب وعبد الرحمن ابن رستم، ثم رجعوا عن القيروان إلى حيث الشوكة والعصبية لنحلتهم في صميم الجزائر، واختاروا بقعة في أحضان سلسلة الأطلس لتشييد عاصمة لمملكتهم الجديدة فأنشأوا مدينة (تيهرت) في القسم الجنوبي الغربي للجزائر، ولا تزال بعض آثار هذه المدينة باقية إلى الآن، وقد أنشأ الاستعمار الفرنسي مدينة بالقرب منها وسمّاها باسمها مع تحريف قليل في النطق والكتابة، فهم يكتبونها Tiaret وينطقونها كذلك.

وعبد الرحمن بن رستم الذي نسبت إليه الدولة وتسلسلت إمارتها في أعقابه رجل فارسي الأصل، ولكن المذهب هو الذي هيأ له مبايعة البربر على السمع والطاعة بعد كفاءته الشخصية وشواهد أعماله، ولا ندري كيف خالفوا أصلهم في استخلاف الأصلح، فأورثوا الإمارة بني عبد الرحمن بن رستم، وإن عرف كثير منهم بصدق التدين وإفاضة العدل في الأحكام، وإقامة الحدود الشرعية، وتشجيع الفنون والعلوم والآداب، والمحافظة على الفضائل الإسلامية.

واتسعت رقعة هذه الدولة من شاطئ البحر الأبيض المتوسط، حيث مدينة (تنس) وهي الثغر الذي يصلها بالأندلس، إلى الصحراء حيث مدينة وارجلان في جنوب مقاطعة قسنطينة، ولعلهم كانوا يتصلون من طريق هذه الصحراء بأتباع مذهبهم في طرابلس، ولا تزال بقايا المذهب الأباضي إلى الآن في جنوب مقاطعة الجزائر، وفي جبل نفوسة بطرابلس.

[الدولة الصنهاجية بجبل تيطري]

وهذه الدولة أيضًا جزائرية صميمة، نشأت عام ٣٢٤ هجرية، وانقرضت عام ٥٤٧ على يد الموحدين، ومؤسّسها زيري بن مناد الصنهاجي أحد فروع الأسرة الباديسية الصنهاجية التي استخلفها الفاطميون على مملكة القيروان حينما فتحوا مصر ونقلوا كرسي خلافتهم إليها، ثم استقل الباديسيون بعد ذلك بالقيروان عندما آنسوا ضعف الدولة الفاطمية في الشرق.

<<  <  ج: ص:  >  >>