للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرق في الإسلام *

[تمهيد]

يرى كثير من الباحثين الغربيين في شرائع الإسلام أنه شرع الاسترقاق ومكّن له وحماه، وجعله كلمة باقية في أتباعه، وأبقاه سمة مميزة له، حتى إنه كلما ذكروا الإسلام ذكروا معه الاسترقاق كنقيصة اختصّ بها، ويذكرون معه تعدّد الزوجات، ونقص ميراث المرأة، وضرب الحجاب عليها، واستبداد الرجل بالعصمة والطلاق، وينتزعون من إباحة التسرّي بالإماء في الإسلام بلا حد دليلًا- في زعمهم- على أنه هو المقصود من شرعية الاسترقاق، ويعمون عن جميع حكم الإسلام وأحكامه في هذه القضية، ولا يرون إلا أنه دين اتباع للأهواء واسترسال في الشهوات، كل ذلك لينفروا قومهم ويصدّوهم عن سبيله، ولينفسوا عن أنفسهم ذلك الحقد المتأجج على الإسلام والمسلمين.

وهذا الصنف من الباحثين المسيحيين في شؤون الإسلام لا يصدرون في أبحاثهم عن أذهان صافية ومنطق مستقيم وفهم صحيح لأصول الإسلام وحقائقه، ولا يستندون إلى اطلاع واسع على كتبه وتاريخه ولا يبحثون بحثًا مجردًا عن الهوى والغرض، ولا يحبسون أفكارهم عند الحقيقة ليَحْمِلوها لمن يقرأ كلامهم، ولا تذهب بهم هممهم إلى الماضي البعيد من تاريخ الإسلام وأسباب امتداد سلطانه وانتظامه بالمشارق والمغارب، وآثاره في أتباعه الأولين وسير رجاله البارزين في العلم والحكم، والحرب والسلم، والاجتماع والتشريع ... لا شيء من هذا فيما بلونا من أمرهم، وإنما يصدرون عن أهواء غالبة، وأحقاد دفينة وتعصّب موروث، يرثون كل ذلك عن سلفهم من رجال الكنيسة وفلول الحروب الصليبية، وعن التصويرات التبشيرية العصرية التي يخطّطها أئمة الكهنوت، وينفق عليها المهوسون من أتباعهم، وتحميها الدول الاستعمارية بالجيوش والأساطيل.


* محاضرة لم نعثر على تاريخ ومكان إلقائها.

<<  <  ج: ص:  >  >>