"ودّعنا عامًا فطوينا صفحة من تاريخنا، وبدأنا عامًا جديدًا وصفحة جديدة، فماذا حقّقت بلادنا من ناحية، ومن ناحية أخرى ماذا حقّقت بلادنا العربية من أمانيها في هذا العام الفائت، وماذا نأمل من عامنا الجديد؟ ".
ــ
هذه الجملة بألفاظها وجّهتها إليَّ "مجلة الإذاعة المصرية" الغرّاء، طالبة رأي فيما تضمنته جملتها الأخيرة وهي تعني (ببلادنا) بلاد المجيب الخاصة.
والرأي المجمل في القضية أن أماني البلاد العربية كلها ترجع إلى واحدة يتدرّج إليها من الاستقلال إلى الاستقرار، إلى الاتحاد، إلى الوحدة، وهي النقطة التي تنتهي إليها الآمال، وهي مناط العزة والقوة والسعادة وكل المعاني التي تطلبها العروبة الصحيحة من العرب وتحثّهم على سلوك سبلها.
وتتفاوت الشعوب العربية بعد الأمنية العامة في الأماني الخاصة المحققة لها، فالمغرب العربي أمنيته الخاصة هي الاستقلال، وأمنية سوريا هي الاستقرار، وأمنية اليمن انتشار التعليم وإفاضة العدل.
أما الواقع الذي تفتح عليه العين، وتوضع عليه اليد فهو أن كل الشعوب العربية لم تتحقق لها أمنية واحدة من الأماني الكثيرة، ومضى العام المودع وأعوام قبله متشابهة المبادئ والخواتم، ولم تلمع فيها بارقة أمل في بلوغ أمنية من الأماني المرجوّة، وليس في الأفق بشائر تدل على قرب تحققها إلا هذا الوعي المتأجج الذي يزداد على الأيام، وتزيد في تأججه الحوادث المتتالية، وإلا هذه الفورات المتجددة في المغارب الثلاثة: تونس والجزائر ومراكش، وإلا هذه القلوب التي أصبحت تتواصل بعد انقطاع، وتتألّف بعد انصداع، وتتعارف بعد تناكر طال أمده، وإلا هذه المظاهر المتمثلة في المؤتمرات المتلاحقة من علماء الشعوب العربية وساستهم وأولي الأمر فيهم، وليقل الناس في هذه المؤتمرات ما شاءوا، فرأينا فيها أنها ارهاصات لأمر خطير.