للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شك أنّه يتولاها الجاهل المتحلل فيغرق السفينة ويشقي الأمة، وكثيرًا ما غلطنا الاستعمار حين يضيق ذرعًا بنا، فيقول أنتم علماء دين فما لكم وللسياسة؟ إن الدين في الإسلام سياسة، وإن السياسة دين، فهما- في اعتباره- شيئان متلازمان، أو هما شيء واحد، وقد جاراه في النغمة الممجوجة بعض ضعفاء الأميين من سماسرة السياسة منّا، والغرضان متقاريان: فالاستعمار يريد أن يزيحنا عن طريقه فيزيح خصمًا عنيدًا يمنعه العلم أن يخدع ويمنعه الدين أن يساوم في حق قومه، وضعفاء الإيمان من قومنا يريدون أن يخلو لهم الجو فيعبثوا ما شاء لهم العبث ولا علم يصدع ولا دين يردع.

لجمعية العلماء في كل نقطة من السياسة الجزائرية رأي أصيل، تجهر به وتدافع عنه وتذيعه في الناس وتخالف رأي غيرها بدليل، وتوافقه بدليل، لأنها لا تقبل التقليد في الدين وكيف تقبله في الدنيا؟ وصفوة رأي الجمعية في السياسة الجزائرية تحرير الجزائر على أساس العروبة الكاملة والإسلام الصحيح والعلم الحي، وعلى ذلك فهذه الجهود الجبّارة التي تبذلها جمعية العلماء في سبيل العربية والإسلام والتعليم كلها استعداد للاستقلال، وتقريب لأجله، ولكن كثيرًا من قومنا لا يفقهون، أو لا يريدون أن يفهموا، ولو أرادوا أن يفهموا لحكموا المحسوس الذي لا يرتابون فيه، وهو أن جمعية العلماء حرّرت العقول وصقلت الأفكار وأيقظت المشاعر. والنتيجة الطبيعية لذلك كله هي تحرير الأبدان، لأن الأول مدرجة إلى الثاني.

إن أوربا ما استعبدت الشرق إلا بعد أن أفسدت أخلاقه وأضعفت روحانيته، وهيهات أن ينقذ الشرق نفسه من العبودية لأوربا إلا بعد أن ينقذ نفسه من نفسه، وقد مرّت على مصر سبعون سنة وهي في كفاح متواصل مع خصمها، ولو أن قادة الرأي فيها ربوا جيلًا واحدًا على الروحانية القوية لما قامت للخصم قائمة مع الجيل الثاني.

هذه حقيقة عريانة من أنكرها فهو ساعٍ إلى الحقيقة على جسر من الخيال.

[موقف فرنسا من الجمعية]

تعتقد فرنسا أن أعدى عدو لها هو جمعية العلماء الجزائريين لأنها كشفت عن مكايدها الخفية، وناقضت كل عمل لها بضده، فهي تهدم وجمعية العلماء تبني، وهي تُجهّل، والجمعية تعلم، وهي تنوم والجمعية توقظ، وكفى بهذا سببًا للعداوة التي لا صداقة معها، ويمنعنا الخجل أن نذكر ما لقيته الجمعية من فرنسا ... فإنه في سبيل الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>