إعانة فلسطين فريضة مؤكّدة على كل عربي وعلى كل مسلم، فمن قام به أدّى ما عليه من حق لعروبته ولإسلامه، ومن لم يؤدّه فهو دين في ذمّته لا يبرأ منه إلا بأدائه.
ومن سبق فله فضيلة السبق ومن تأخر شفعت له المعاذير القائمة حتى تزول، فإذا زالت تعلق الطلب ووجب البدار.
وقد قامت الأمم العربية والإسلامية بهذا الواجب: كل أمّة على قدر استعدادها وعلى حسب الظروف المحيطة بها لا على حسب الشعور والوجدان، فالشعور قدر مشترك بين الجميع لا يفضل فيه عربي عربيًا ولا يفوق فيه مسلم مسلمًا لأن مرجعه إلى العروبة، والعروبة رحم موصولة. وإلى الدين، والدين عهد إلهي لا ينقض. وقد يكون الشعور عند الأمم العربية أو الإسلامية البعيدة الدار، أو التي تحول بينها وبين فلسطين الحوائل أقوى منه عند الأمم القريبة الجوار، المتصلة الأسباب، الميسّرة المآرب، لقاعدة يعرفها علماء النفس وهي أن الحرمان يذكي الشعور. والأمّة الجزائرية العربية المسلمة من هذا القبيل فهي بعيدة الدار أسيرة في قبضة الاستعمار. يعد عليها الآهة تتأوهها والكلمة تقولها والبث تستريح إليه فضلًا عما فوق ذلك. ولكن الاستعمار لم يستطع أن يصل بكيده وقهره إلى مقرّ الإيمان بعروبة فلسطين ومستودع الشعور نحو عرب فلسطين. وهذان هما كل ما تملك الأمّة الجزائرية من ذخيرة معنوية.
وإذا تأخرت الأمّة الجزائرية عن إعانة فلسطين بالممكن الميسور فعذرها أنها كانت منهمكة في المطالبة بحقها في الحياة، وكانت من أجل ذلك في صراع مستمر مع الاستعمار وكانت- بتدبير الاستعمار- موزّعة القوى بين أحزاب متناحرة صارفة أكثر همّها إلى الفوز في الإنتخابات والحظوة بكراسي النيابات. صمّاء عن الدعوة إلى التآخي والاتحاد. إلى أن لعب الاستعمار
* "البصائر"، العدد ٤١، السنة الأولى من السلسلة الثانية، ٢١ جوان ١٩٤٨م. (بدون إمضاء).