للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نصيحة وتحذير *

رأيت في القاهرة عددًا كثيرًا من شبّان الجزائر، معظمهم وصل إليها في هذه السنة والتي قبلها بوسائل كلها أتعاب ومشاق، والتحقوا كلهم بالقسم العام في الأزهر، وهذا القسم هو الذي يحشر فيه كل مبتدئ كما يدل عليه اسمه، وزارني كثير من هؤلاء الطلبة الجزائريين يطلبون الإعانة المالية مني أو من الأزهر بوساطتي، وسألتهم وتقصيت، فسمعت من أقوالهم، وعلمت من مظاهرهم ما يحزن ويؤسف، وجر شيء إلي شيء، فعلمت بالقرائن القريبة أنهم منحدرون إلى هاوية لا قرار لها من البؤس لا يحصل معها علم، ولا يبقى عليها خلق، ولا تشرف منسوبًا ولا منسوبًا إليه. فحملتني الشفقة عليهم وعلى سمعة الجزائر على أن أكتب هذه الكلمة محذّرًا من لم يقع، لكيلا يقع، فعسى أن تكون تبصرة لمن قرأها أو بلغته ممن قرأها في الجزائر، وعسى أن تكون موعظة للعابثين بهؤلاء الضحايا هنا في مصر، فبعض الناس يكونون عونًا للمصيبة على المصاب، وبعض الناس يكونون لبعض {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِئإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ}.

كنت أسألهم واحدًا واحدًا: لماذا قدمت من الجزائر؟ فيجيبونني واحدًا واحدًا: جئت لطلب العلم، فأسألهم: وهل استرشدتم برشيد عارف بالأحوال؟ فيقولون: لا. فأعلم أنهم مغرورون بالأوهام الشائعة التي تصوّر أن العلم في مصر مبذول، ولا تصوّر أن الخبز فيها غير مبذول، وأعلم أن لهم قصدًا حسنًا، ولكن حسن القصد لا يشفع لصاحبه ولا يكون عذرًا في المخاطرات التي لا تستند إلى بصيرة.

وطلب العلم شيء محمود بل واجب، والرحلة إليه شيء مستحسن، وسنة قديمة سنّها أوائلنا وكانت عندهم شرطًا في كمال العالم، وشهادة خاصة يعطيها المترجمون للرحّالة حين


* «البصائر»، العدد ٢٤٠، السنة السادسة من السلسلة الثانية، ١١ سبتمبر ١٩٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>