للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معهد عبد الحميد بن باديس *

((عذري فيما يراه قرّاء هذا المقال من نقص في الإبانة، وتشويش في البناء، وتفاوت بين الأجزاء، وبُعد عن المعهود من مثلي في مثله، أنني كتبته في أثناء أسفار، في عشرات من القرى، وفي عشرات من الحالات التي تعتري المسافر، المنهوك الأعصاب من المحاضرات والأحاديث، فجاء المقال وعليه نفض من روح كاتبه، وفيه رُقع ولمع وألوان شتى، وجاء كصاحبه يلهث تعبًا، وكأنه مريض بالسكر، وقد حاولت تنقيحه فأبت الشواغل، وزاحم الواغل ... فتركته كما هو)):

أيتها الأمّة: وإليك يُساق الحديث. هذا موقف الحساب على الأموال والأعمال، وهذا سجله الحافظ للدقائق والجلائل، يُمليها على الأجيال الحاضرة، ويحدّث بها الأجيال المقبلة، متصلة الإسناد، مؤّيدة بالشهود والشواهد، ويسوءنا- والله- أن يتحدّث عنا بتقصير في الواجب، أو يشهد علينا بتضييع للحق، وإضاعة للفرصة، أو يسجّل علينا نقص القادرين على التمام.

إن المرء حديث بعده، وإن الأمّة أحاديث متسلسلة؛ وفيما يتركه الأول للأخير المال والمتاع، وفيه العلم والفضائل وفيه الأحاديث ... وإن الأحفاد وأحفادهم لا ينسون نقصنا لكمالهم، ولا يغضون عن مقابحنا لمحاسنهم، ولا يصفحون عن زللنا لبرّهم بنا؛ ولكنهم سيحاسبون فيناقشون الحساب، وإن هذه النهضة التي بدت مخايلها لا يغطّي كمالها الأخير نقصها الأول، وإن ترعرع في مثل رونق الضحى شبابها، وتفرّعت في أزكى المنابت أفنانها.

إن أحفادنا- يوم تتصل أسبابهم بأسباب هذه النهضة- سيتحدثون عنها وعنا، وسيوفوننا الحساب على أعمالنا لها، وعلى آثارنا فيها حمدًا وذمًّا، كما نتحدّث نحن عن أجدادنا الأدنين والأبعدين، ونذكر ما بنوا وشادوا، وما نقضوا وتبَّرُوا.


* نُشرت في العدد ٩٠ من جريدة «البصائر»، ٥ سبتمبر سنة ١٩٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>