ينزغ شيطان الاستعمار الحكومة، فتحرك مسائل كانت نائمة، ارتجالًا بلا باعث من الحكمة، ولا داع من الضرورة، ولا مناسبة من الوقت، ولا اقتضاء من المصلحة، ونسكت نحن على مضض حتى ينفد الصبر، ثم نتحرك للكلام ...
يوحي شيطان الاستعمار إلى الحكومة وحيًا متتابعًا لا فترة فيه، فإذا تلقّت الوحي ونزل به الروح الخبيث على قلبها نجمته على فترات، وأوحت في كل فترة إلى أوليائها ما يثير شرًّا، أو يوقظ فتنة، وقد أصبح المجلس الجزائري اليوم متنزل وحيها، فلا تمضي فترة إلا أوحت إليه شيئًا من ذلك النوع الذي يثير الشرور، أو يوقظ الفتن.
أي داع من الحكمة، أم أي مقتضٍ من المصلحة لإثارة قضية إعطاء المرأة المسلمة حق الانتخاب؛ كأننا فرغنا من جميع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وحصّلنا جميع الحقوق والمصالح، ولم تبق إلا هذه القضية، وكأن الرجل المسلم استوفى جميع الحقوق، ومنها حق الانتخاب، وجنتْ يداه جميع الثمرات، ومنها ثمرة الانتخاب، ونال جميع الحريات، ومنها حرية الانتخاب ... وبقيت المرأة المسلمة محرومة من ذلك كله، فوجب على الحكومة العادلة، وعلى المجلس الرحيم، أن ينصفاها، وأن يرفعا عنها هذا الإجحاف، وأن يعجّلا لها بالحق الضائع والثمرة المغصوبة، والحرية المسلوبة. إذن فلتحيَ العدالة ... ولتحيَ المساواة ...
إن الرجل المسلم لم يملك إلى اليوم حق الانتخاب، وكل ما حصل عليه في هذا الباب، أن يسجّل اسمه في قوائم الانتخاب، كما يسجَّل في قوائم المواليد، وأن يحمل ورقة اسمها ورقة الانتخاب، كما يحمل ورقة التعريف، فإذا جاء أجل الانتخاب سيق بالكره إلى الجهة التي تريدها الحكومة، فإن أبى فهو عدو للحكومة، فإن غاب ... أكمل به
* نُشرت في العدد ١٠٨ من جريدة «البصائر»، ٢٠ فيفري سنة ١٩٥٠.