النصاب، وإن المسلم الجزائري لغائب عن كل شيء ومنسيّ في كل مشهد. ولم نر مشهدًا يعتد فيه بغيبته إلا مشاهد الانتخاب، أفيريدون بإعطاء المرأة المسلمة ورقة الانتخاب أن يشركوها مع الرجل في هذه "النعم"؟ أم هم يحسدونها على السلامة من نهر القائد وتهديده، ومن زمجرة الحاكم ووعيده، ومن عصا البوليس وسياطه، ومن رؤية المزعجات من الدبابات والرشاشات، فهم ينتقمون منها- بدافع الحسد- ويجرّونها إلى هذا العذاب، بإعطائها ورقة الانتخاب، وما لهم لا يعطونها حق (التوظف)؟ إن قالوا: إنّها لا تحسن العمل، قلنا: وهي كذلك لا تحسن الانتخاب، وهل أجدى على الأمّة إعطاء حق الانتخاب للرجال الأميين شيئًا؟ إنه ما جرّ عليهم إلا الوبال، وإن القانون الأخير الذي عمّم هذا (الحق) على سكان الدواوير (١) والصحارى الأميين، ما سُنّ لمصلحة المسلم الأمّي ولا القارئ، وإنما سنّته الحكومة لتغمر القلة القارئة بالكثرة الأميّة، والفئة العالمة بالفئات الجاهلة، فتضمن الفوز لمرشّحيها، وقد كان ذلك، فاستمرأت الطعم، فأرادت أن تفتح الباب للمرأة المتعلمة، ثم للجاهلة، ليكون لها رديف منهن تدّخره لوقت الحاجة.
وكل ما قلناه عن الانتخاب فهو القاعدة، فإن شذّ عنها شيء فهو (تعويذة) يُدفع بها النقد، وستار تغطّى به الحقيقة.
أما حكم الإسلام فسندمغ به حجج الجاهلين به في مناسبة أخرى. وإنما نقول إن الإسلام في جملته لا يزجّ بالمرأة في هذه المضايق، وفي كل ما يجُرُّ إليها، رفقًا بها وإبقاء على شرفها ورعاية لرقة شعورها، ولطافة جوهرها، لا احتقارًا لمنزلتها، ولا استخفافًا بشأنها، وإنه ليسوّي بينها وبين الرجل في كثير من منازل الكرامة والاعتبار، حتى إنه ليجيز إجارتها للجاني وللفارّ بخربة، بدليل حديث «ويسعى بذمّتهم أدناهم»، وحديث «أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ».
وقد جرت الأديان والحضارات الأصيلة على هذا المنهاج الذي نهجه الإسلام في المرأة، إلى أن جاءت هذه الحضارة القائمة فأرخت للمرأة العنان، فزاغت الحرية المفرطة عن الاعتدال، فتعدّت طورها الطبيعي، فأصبحت مشكلة يعسر حلّها، لا إنسانًا يعسر إقناعه. وسيندم الفاتحون لهذا الباب، المنادون بإعطاء المرأة حق الانتخاب، يوم تصبح ظبية الوعساء أسد غاب، وتصبح النوائب مناهضات للنواب.
وإذا كانت أوروبا، على عراقتها في الحضارة والعلم- وتدرّج المرأة فيهما مساير للرجل- لم تفكّر بعض أممها في إعطاء هذا الحق للمرأة إلا في السنوات الأخيرة، وفي ظروف استثنائية كما يقولون، فكيف تُقدِم حكومة الجزائر ومجلسها على هذه الطفرة بالمرأة العربية المسلمة ... وهي ما زالت في الدرك الأسفل من الانحطاط. وهلّا فكّروا في تقوية
١) الدواوير: جمع دَوَّار، وحدة إدارية تشمل عدة قرى.