للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسي فليعلموا أنني مغلوب على أمري من عجوز. ولم يغلبك مثل مغلب. وليصدقوا الله كما صدقتهم، فما منهم إلا من غلبته عجوز بأحد معانيها، ولا أستثني أم الخبائث فقديمًا سمّتها العرب عجوزًا.

وهل أنبئ القرّاء بسرّ وهو أنني أضمرت الخديعة لنفسي، وقلت أعطيها قليلًا وأكدي، فانتقمت مني كما انتقمت بعوضة توت من كاشف قبره، وفاضح سرّه. فنثرت كل ما كان في خاطري منظومًا من الصور الفنية عن المعهد ومستقبله وما ننوي له من أعمال وما نعلق عليه من آمال. وجاءت المقالة عادية النمط، عليها ميسم الصدق، وليس عليها جلاله، وفيها مخيلة الحق، وليس فيها جماله.

...

[معهد عبد الحميد بن باديس]

والمعهد تجمعه ثلاث كلمات: مكان، وإدارة، وتعليم.

أما المكان فهو دار منسوبة إلى أسرة عريقة في المجد، وهي أسرة ابن الشيخ الفقون التي يعرفها التاريخ بأعلامها في العلم والأدب.

شاركت الأمة الجزائرية كلها في بذل الأموال التي اشترت بها الدار، وأنفقت على إصلاحها وإعدادها، وشارك كاتب هذه السطور بكل ما يملك وما يملك إلا اللسان القوال، والعزم الصوال، والجثمان الجوال. ولولا هذه الثلاثة لما اشتري المعهد ولا عمر في هذه السنة ولتأخر وجوده في التاريخ سنة أو سنتين أو سنوات. وان في تأخير هذا المشروع إطالة لمرض الجهل وتأخيرًا لشفاء هذه الأمّة، وأن في التعجيل به تعجيلًا لشفائها ونقصًا من المرض ومدّته.

فقد كان جميع إخواني ومن ورائهم أنصار العلم متفقين على ضرورة إنشاء المعهد، وأنه الخطوة الثانية بعد التعليم الابتدائي الذي وصلنا فيه إلى نتيجة صالحة وغاية متمكنة. ولكنهم كانوا متفقين على أن الزمن غير صالح للشروع في العمل نظرًا لحالة الأمة المالية وتوالي الأزمات عليها.

وجزى الله إخوان الصدق أصدق الجزاء فما أن رأوا تصميمي وعزيمتي على شراء المكان حتى انشرحت صدورهم للذي انشرح له صدري. واستسهلنا الصعوبات فسهلت، وهززنا الأمة للتعاون على الخير والعلم فاهتزت. وقطعنا في الأسابيع مراحل ما كانت تقطع في الشهور والسنوات. وكان الشراء والإصلاح جاريين في جهة، والتنظيم والاستعداد للتعليم

<<  <  ج: ص:  >  >>