للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شهر رمضان ...

أثر الصوم في النفوس*

ــ

الإسلام دين تربية للملكات والفضائل والكمالات، وهو يعتبر المسلم تلميذًا ملازمًا في مدرسة الحياة، دائمًا فيها، دائبًا عليها؛ يتلقّى فيها ما تقتضيه طبيعته من نقص وكمال، وما تقتضيه طبيعتها من خير وشر، ومن ثم فهو يأخذه أخذ المربّي في مزيج من الرفق والعنف، بامتحانات دورية متكرّرة، لا يخرج من امتحان منها إلا ليدخل في امتحان؛

وفي هذه الامتحانات من الفوائد للمسلم ما لا يوجد عشره ولا معشاره في الامتحانات المدرسية المعروفة.

وامتحانات الإسلام متجلِّية في هذه الشعائر المفروضة على المسلم، وما فيها من تكاليف دقيقة، يراها الخليّ الفارغ أنواعًا من التعبّدات تتلقَّى بالتسليم، ويراها المستبصر المتدبّر ضروبًا من التربية شُرعت للتزكية والتعليم؛ وما يريد الله ليضيِّق بها على المسلم، ولا ليجعل عليه في الدين حرجًا؛ ولكن يريد ليطهِّره بها، وينمّي ملكات الخير والرحمة فيه، وليقوّي إرادته وعزيمته في الإقدام على الخير، والإقلاع عن الشر، ويروّضه على الفضائل الشاقة، كالصبر، والثبات، والحزم، والعزم، والنظام، وليحرِّره من تعبُّد الشهوات له وملكها لعنانه، وما زالت الشهوات الحيوانية موبقًا للآدمي، منذ أكل أبواه من الشجرة، حكمة من الله في تعليق سعادة الإنسان وشقائه بكسبه، ليحيا عن بيّنة، ويهلك عن بيّنة.

في كل فريضة من فرائض الإسلام امتحان لإيمان المسلم، ولعقله، وإرادته، ودع عنك الأركان الخمسة، فالامتحان فيها واضح المعنى بيّنُ الأثر، وجاوِزْها إلى أمّهات الفضائل التي هي واجبات تكميلية، لا يكمل إيمان المؤمن إلا بها، كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدق في القول والعمل، والصبر في مواطنه، والشجاعة في ميدانها، والبذل في سبله، فكل


* نُشرت في العدد ٤٣ من جريدة «البصائر»، ١٢ جويلية سنة ١٩٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>