سكتنا حتى تمّ الأقنوم الثالث، وها نحن أولاء نطقنا.
ونحن حتى في هذا المقال نبين حقيقة، ونكشف عن دسيسة؛ ولا نريد أن نفتح به بابًا للخصومة، إذ لا خصم لنا إلا الاستعمار الذي قضى على ديننا ولغتنا، وأتى على مؤسساتنا الدينية وأوقافنا بالاقتلاع والابتلاع؛ وقد سكتنا عن رجال الزوايا منذ عشر سنين وسكتوا، وفاء كثير منهم إلى الحق؛ وانصرفنا إلى التعليم، فأعان بعضهم بالتنشيط القولي، وبعضهم بالسكوت، وبعضهم بتقديم أولادهم للمدارس.
أما الأئمة فهم مغرورون فيما أتوا هذه المرة إلا واحدًا أو اثنين، تعودت الحكومة أن تخطط لهما فينفذا.
وأما رجال الزوايا فلولا ذلك العاملُ الجليب لما أقدموا على ما أقدموا عليه؛ وان ما أقدموا عليه لعظيم. ولا يجوز السكوت عليه.
غير أنّ في الفريقين استعدادًا لمثل هذه المواقف، وقابليةً للانجرار، فإذا كان في المقال شدة فهي صلابة الحق، وإنّ فيها لدوافع لهم من تلك العلة لو كانوا يعقلون.
ولقد نعلم أن مما ترمي إليه الحكومة وتبتهج به، فتح واجهة جديدة للنزاع مثل هذه، وأن تغري بين رجال الدين كما أغرت بين رجال السياس فتشغل البعض بالبعض وتستريح، ولسنا بمبلغيها قصدها إن شاء الله ثم شاء قومنا ...
أسلوب قديم من أساليب الإدارة الاستعمارية بشمال أفريقيا، جرّبته في أيام الغفلة والأوهام فنفعها، فلم تنسه حتى في أيام اليقظة والحقائق؛ فهي تستعمله كلما ألحت الأمة في المطالبة بحقوقها الدينية والسياسية، وتستخدمه كلما سدّ عليها المطالبون منافذ الشبهات
* نشرت في العدد ٣١ من جريدة «البصائر»، ١٢ أفريل سنة ١٩٤٨.