للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإلى الأمة الجزائرية الباذلة لموجودها، في سبيل وجودها، التي أقرضتُها القرض الحسن، فوفته اعترافًا، وهجرت في خدمتها الوسن، فمدّت عليّ من الحنوّ طرافًا، أعليت قدرها- ولا منّة- حاضرًا، وعرضت وجهها ناضرًا، ورفعت ذكرها غائبًا، وصيّرت مادحًا لها من كان عائبًا، وعرفت نكرها كاتبًا، وغاليت بقيمتها خاطبًا، وخلعت عليها وصفيها الخالدين: العروبة والإسلام، فزادهما بياني روعة وجلالًا، ثم جلوتها فيهما على أخواتها، فوقفت عليها العيون، وأكبرتها الصدور، وأشهد ما قارنتها بواحدة منهن في هذين فقصرت عن غاية، مع بعد الفارق، وعقوق المارق، وكيد الطارق، ولؤم السارق. فكيف لو أرخى لها الدهر من عنانه؟ وما قلت إنها عربية عريقة إلا أدّى كل حرف من هذه الجملة شهادته، وما قلت إنها كابدت البلاء في سبيل إسلامها إلا فاض الحنان، وثارت الأشجان، وما قلت إنها قهرت في المحافظة على ذينك الوصفين خصومًا لدًّا، وكسرت سواعًا وودًّا، إلا تمنّى كل سامع أن يكونها.

فمني للأمّة الجزائرية تحيات مباركات طيّبات تغمر أجزاءها، وتضمن عني جزاءها.

____

[بواعث الرحلة]

____

دواعي هذه الرحلة كثيرة، ولكنها ترجع إلى أصل واحد، ومثيراتها في نفسي قديمة العهد، تتصل بما ركب في طباعي من حب الاطلاع والبحث، خصوصًا في شؤون الشعوب الإسلامية، وكانت تذودني عن هذه الرحلة- كلما هممت بها- الأعمال الداخلية لجمعية العلماء، وما هي بالقليلة، وعدم موافقة إخواني عليها، حرصًا منهم على تلك الأعمال أن تختل أو تتعطّل، ونحن معشر هذه الطائفة نعدّ من سعادتنا وسرّ نجاحنا أننا لا نتحرّك إلا عن اتفاق، ولا نسكن- إذا سكنا- إلا عن اتفاق، فلما توافرت الدواعي أذن لي إخواني فكانت الرحلة.

والأصل الذي ترجع إليه تلك الدواعي يتشعّب إلى أربع شعب:

الأولى: دراسة أحوال المسلمين في مواطنهم، وبحث المقارنات والمفارقات القائمة بين تلك الأحوال، ونسبة دركات الانحطاط فيهم إلى درجات الاستعداد للنهوض، وتصحيح الميزان لما تستطيع كل طائفة منهم أن تقدّمه إلى الأخريات من العون والماعون، حتى يحصل التعاون بعد تحصيل أهم أسبابه، وهو التعارف.

<<  <  ج: ص:  >  >>