للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثانية: الاتصال المباشر بعلماء الدين، هذه الطائفة التي تجمعنا بها نسبة ووصف، وتشاركنا في العهد الإلهي المأخوذ علينا جميعًا، وفي حمل الأمانة، ولا ندري هل تشاركنا في الوفاء بذلك العهد، وأداء تلك الأمانة. وهذه الطائفة هي أحق الطوائف بقيادة المسلمين إلى السعادة، وجمع كلمتهم على الحق والخير، إذا تسلّحت بما لا ينافي الإسلام من وسائل زمنها، وأنّى يتمّ لهذه الطائفة أن تجمع كلمة المسلمين على الحق والخير، قبل أن تجمع هي نفسها كلمتها على الحق والخير؟ وقبل أن تتفق على مفهوم الحق والخير؟ وعلى كل حال فالاتصال بعلماء الدين ألزم لمثلي من الاتصال بغيرهم من الطبقات النابهة في الأمم الإسلامية، لتعرف طريقة فهمهم للدين وعملهم بالدين، وعملهم للدين، ومدى اقتدارهم البياني والاستدلالي على الدعوة إليه، ومدى استعدادهم للتضحية في سبيله، ومدى اتصالهم بطبقات الأمّة، واتصالهم بالطبقات الحاكمة، أو المستشرفة للحكم: أهو اتصال نفوذ ديني يأمر وينهى، أم اتصال مجاملات عرفية تخضع وتستخذي؟ وأن هذه النقطة هي المحك، وهي الميزان بين عالم وعالم، وأن العالم الديني الذي يعوّل عليه في هذا الباب هو الذي فهم دينه على وجهه الصحيح، وفهم نفسه بوزنها الصحيح، وفهم زمنه على وجهه الصحيح أيضًا، وعرف أمراض المسلمين، ووطن نفسه على علاجها، ونكب عن ذكر العواقب جانبًا، أما الخلاف المذهبي بين العلماء فهو أيسر من أن يقف عقبة في هذا السبيل، وعلاجه - إذا صحّت النيات وعقدت العزائم على توحيد المسلمين- في جملة واحدة: الاتفاق على المتفق عليه، والسكوت على المختلف فيه سكوتًا ينتهي مع طول الزمن إلى نسيان الخلاف، وما أرث الضغائن وأيقظ الفتن إلا الجدل واللجاج، وان المتفق عليه لشيء كثير، وان فيه لخيرًا كثيرًا، وان فيه الكفاية للإصلاح وزيادة.

الثالثة: دراسة أحوال الحكومات الإسلامية القديمة والناشئة، والأصول التي تبني عليها الحكم، والاتجاهات التي تتوجّه إليها من حيث هي حكومات، ومدى تغلغل المؤثّرات الخارجية في أجهزتها الحكومية. كل تلك الدراسة لنعرف أيها أقرب مسافة من روح الإسلام وروح الشرق، وأيها أصلح لأن تكون مثالًا قريبًا للحكم الإسلامي الصالح، حتى يسانده المصلحون بالرأي وحشد المؤهلات فيصبح في وقت قريب محقّقًا لرغائب المسلمين، رادًّا عليهم ما ضاع من أحكام القرآن التي سعد بها سلفهم وأسعد.

الرابعة: دراسة نفسية شباب الأمم الإسلامية المتباعدة الديار، ومبلغ تأثرهم بالعوامل الخارجية التي تبعدهم عن روح الإسلام، ليقدر بقدرها ما يجب لهذه الحالة من علاج، ان الشباب في جميع الأمم، وفي جميع العصور هم الدم المجدّد لحياتها، الناقل لخصائصها بالوراثة، فإذا طرأ على هذا الدم ما يفسده، أو عرض للخصائص ما يزيغها، تهوّر الشباب في عماية، وزعم التطوّر، في هذا التهوّر، فمسخ أمّته وأدغمها في غيرها، ثم لا تكون في ميزان

<<  <  ج: ص:  >  >>