للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[عملها للعروبة]

ها هنا معاقد الفخار لجمعية العلماء، وها هنا معارج الصعود إلى التي لا فوقها، وها هنا تنمحي الغضاضة من المدح، فيكون تقريرًا من الحقيقة لنفسها، لا مدحًا من مادح؛ وإذا ملأت جمعية العلماء ماضيها فخرًا، وهزَّت أعطافها تيهًا، فلا حرج في ذلك.

دع الطنطنة لعشاق المظاهر والتهاويل، ودع الأصداء الفارغة تجب نفسها، ودع الدعوى للمتشبعين بما ليس فيهم، وهات الحقيقة التي لا تدحض، والحجة التي لا تنقض.

إن العروبة جذم بشري من أرسخها عرقًا، وأطيبها عذقًا، عرفه التاريخ باديًا وحاضرًا، وعرف فيه الحكمة والنبوّة، وعرفته الفطرة لأول عهودها فتبنَّتْهُ صغيرًا وحالفته كبيرًا.

وإن العربية هي لسان العروبة، الناطق بأمجادها، الناشر لمفاخرها وحكمها؛ فكل مدع للعروبة فشاهده لسانه، وكل معتز بالعروبة فهو ذليل، إلا أن تمده هذه المضغة اللينةُ بالنصر والتأييد، فلينظر أدعياء العروبة، الذين لا يديرون ألسنتهم على بيانها، ولا يديرون أفكارهم على حكمتها، في أي منزلة يضعون أنفسهم.

إن الشعب الجزائري فرع باسق من تلك الدوحة الفينانة وزهرة عبقة من تلك الروضة الغناء، عَدَت عليه عوادي الدهر، فنسي مجد العروبة، ولكنه لم ينس أبوتها، وابتلاه الاستعمار- عن قصد- بالبلبلة، فانحرفت فيه الحروف عن مخارجها إلا الضاد؛ ولم يبق من العروبة مع هذا وذاك إلا سماتٌ وشمائل، ولا من العربية إلا آيات ومخائل. وجاءت جمعية العلماء، على عبوس من الدهر، وتنكر من الأقوياء، فنفخت من روح العروبة في تلك الأنساب، فإذا هي صريحة، وسكبت من سر البيان العربي في تلك الألسنة، فإذا هي فصيحة، وأجالت الأقلام في كشف تلك الكنوز فإذا هي ناصعةٌ بيضاء لم يزدها تقادم الزمان إلا جدة.

جمعية العلماء هي التي حققت للجزائري نسبه العربي الصريح، بريئًا من شوائب الإقراف والهجنة، وأحيت في نفسه شعور الاعتزاز بنفسه، وفي لسانه شعور الكرامة للغته، وفي ضميره شعور الارتباط بين المقومات الثلاثة: الجنس واللغة والوطن، يمدّها الشرق بسناه، ويغذّيها الإسلام بروحانيته.

وجمعية العلماء هي التي أثبتت للاستعمار أن الدماء البربرية التي مازجت الدم العربي أصبحت عربية بحكم الإسلام، وبحكم العمومة والخؤولة الممتدتين في سلسلة من الزمن، ذرعها ثلاثة عشر قرنًا، مزاجٌ فطري، أحكمت القدرة تداخل أجزائه، والتحامٌ نسبي وصل التاريخ أطرافه مرتين ..

<<  <  ج: ص:  >  >>