للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسالة إلى الأستاذ أحمد توفيق المدني*

الأخ الأستاذ أحمد توفيق المدني حفظه الله،

أخي:

أعتقد أن الراحل أخي العزيز لم يكن لأحد دون أحد، بل كان كالشمس لجميع الناس، وأعتقد أن فقده لا يحزن قريبًا دون بعيد، وأن أوفر الناس حظًا من الأسى لهذا الخطب هم أعرف الناس بقيمة الفقيد وبقيمة الخسارة بفقده للعلم والإسلام، لا للجزائر وحدها.

فلهذا بعثتُ أعزيكم على فقد ذلك البحر الذي غاض، بعد أن فاض، ببقاء آثاره في الحياض، وأنهاره في الرياض، كما يعزى على مغيب الشمس بشفقها وعن ذبول غضارة الشباب ببقاء رونقها، وإن كانت التعازي تعاليل، لا تطفئ الغليل، ولكنها على كل حال تحمل بعض الروح من كبد تتلظى شجنًا، إلى كبد تتنزى حزنًا.

وظنّي في أخي أنه لو كان يعرف عنواني لكان أوّل معزٍّ لأول معزَّى.

واحسرتاه! رحم الله الراحل العزيز، جزاء ما بثّ من علم وزرع من خير، وثقف من نفوس، ولله ذلك اللّسان الجريء، وذلك الْجَنَّانُ المشعّ، وذلك الرأي الملهم، وإنّا لفقدك يا عبد الحميد لمحزونون.

أخوكم الحزين

الإبراهيمي


* نشرت في كتاب "حياة كفاح" (مذكرات أحمد توفيق المدني) الجزء الثاني، [ص:٣٣٧]، (الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، ١٩٧٧)، وقد أرسلت من أفلو في شهر أفريل ١٩٤٠، على أثر وفاة الإمام عبد الحميد بن باديس.

<<  <  ج: ص:  >  >>