لا يظلّنا يوم ٩ فبراير الغربي، حتى تتجدّد لنا من أخينا العزيز ذكريات، تمدّها حسرات، تتبعها زفرات، فنذكر مكانه في الميدان وقد خلا منه، ونفتقد نفوسنا فنجدها ما سلت عنه، ونعوذ بالتجلد فيخذل، وبالنسيان فلا ينجد، ونعود إلى خمس من السنين نسألها: أما فيك وفي أحداثك التي ابتدأت بعد موت مبارك بثلاثة أشهر ما يذهل فينسي، أو يشغل فيسلي؟ فتقول: لا ...
...
وسنو الخطوب، كسنيّ الخصوب، متشابهة الأواخر بالأوائل، تنتهي كما تبتدئ، وقد طلعت علينا تلك السنة السوداء بالداهية الدهياء، وهي موت مبارك، فانتزعت منا فارسًا من الميدان، أحوج ما كنا إلى رأيه وعلمه، وغنائه وكفاءته، ثم انتصفت علينا بالصيلم الصلعاء وهي حادثة ٨ ماي، ثم انتهت وإخوان العهد كلهم في غيابات السجون والمعتقلات، ثم توالت الخطوب، وتواترت الفتن، وامتحن هذا الوطن بأشنع ما تمتحن به الأوطان: نقص في الرجال، ونقض للعهود، وضلال في الرأي، واختلاف فيه، وبقيت هذه الفئة القليلة مزوّدة بإيمانها بالله، متكثرة بأعمالها للعلم، تلقى الجفاء والتنكّر من القريب، فتعتصم بالصبر، وتلقى الكيد والتربّص من الغريب، فتتحصّن بالثبات؛ وهي على ذلك إلى أن يفتح الله بينها وبين قومها بالحق، ويحكم بينها وبين خصمها بالعدل، وهو خير الفاتحين، وأحكم الحاكمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
...
* نُشرت في العدد ١٠٩ من جريدة «البصائر»، ٢٧ فيفري سنة ١٩٥٠.