للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتح جامع "الحنايا" ومدرستها *

تقديم أحمد بن ذياب

ــ

هل الفلسفة في خدمة الأدب أو الأدب في خدمة الفلسفة؟ أما الأدب ففن ثابت الأركان، باسق الأغصان، قوي الدعائم، محفوظ الأصول، ثري الرج والغلة، نهدف إليه لأنه في ذاته غاية سامية، ونريده لأنه تراث روحي خصيب، وتخفق إليه قلوبنا لأنه كنه الحياة، ولغة التعبير الصادق عن جمالها الباهر، وجلالها القاهر، لهذا نربأ به أن يكون وسيلة وهو الغاية، وخادمًا وهو المخدوم، ونطمح أن نراه رفيقًا للفلسفة، يساعدها وتساعده، ويفتح لها أبوابًا ما كانت لتهتدي إلى فتحها لولا مقاليده، وتعرج هي به إلى سموات لا تواتيه أجنحته على الصعود إليها لولا منطقها وحكمتها.

فنحن نرى أن كل فلسفة- أيًّا كان نوعها- عاطل إذا لم يحلها الأدب، وإن كل أدب

- مهما علا- رخيص إذا لم تغل الفلسفة قيمته.

ومن هنا كان الإبراهيمي مفخرة الجيل، وآية الدنيا، ومنة القدر على العربية وأدبها وفلسفتها، وأحد العباقرة الذين يفرضون خلودهم على الأيام فهو العالم الديني الممتليء الجوانب من روح الشريعة وفقه أسرار الدين، وهو الفيلسوف الاجتماعي الذي لا يشق له غبار، وهو المربي الخبير بمواطن الرشد ومزالق الغي، أما التاريخ وقصصه وعبره، وأما الأدب وعصوره وشعره ومنثوره، وأما اللغة وغريبها ومأنوسها وتاريخ أطوارها، فهو في هذه كلها كما قيل: "حدث عن البحر ولا حرج"، وتمم الله عليه نعمته فآتاه حافظة موعية وذاكرة واعية، وأكمل له أدوات العالم الأديب الفيلسوف.

أنت كلما استمعت إليه يخطب، أو أصغيت إليه وهو يحاضر، أو قرأت له ما يكتب،

أو جلست إليه في حلقات الدروس هالك منه الأسلوب الرائع والبرهان الساطع، ولم تعد


* "البصائر"، العدد ١٢٤، السنة الثالثة من السلسلة الثانية، ١٩ جوان ١٩٣٠م.

<<  <  ج: ص:  >  >>