للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الأستاذ عبد العزيز الميمني *

أنا أحمل لأخي الفاضل العلّامة الشيخ عبد العزيز الميمني من الإكبار لقدره بعد الاجتماع به أضعاف ما كنتُ أحمل من الشوق إليه قبل رؤيته، ذلك أنني كنت أعرف من آثاره المكتوبة، وآثار المرء هي بعضه لا كلّه، هي أجزاء من نفسه تمليها قريحة ويعبّر عنها لسان ويسطّرها قلم، أما الآن فقد عرفت الميمني كلّه، عرفت منه ما وراء القريحة واللسان والقلم، عرفته وعرفني فكانت معرفته بي مكمّلة لمعرفتي به، لأن مناقلة الحديث ومنازعة الرأي وإدارة البحث على فكرة تجلي الجوانب النفسية التي لا يصوّرها القلم ولا تسجّلها الصحيفة ولا يقعقع بها البريد، وتفضي إلى اشتراكية روحية جميلة أين منها هذه الاشتراكية المادية التي تلوكها الألسنة لفظًا وترشح بها الأقلام كتابةً.

ما زلتُ منذ قرأت آثار أخي الميمني واطلعت على أعماله الجليلة لتاريخنا العلمي، أشهد أنه منقطع النظير في سعة الاطلاع على تراثنا الذي تشتت ومزقته الأحداث، فلم تبق منه إلّا صبابة، ولم يبق من العارفين بها إلا عصابة، ولم يبق من وسائل إحيائها وربط أجزائها إلّا ما يكثر فيه الخطأ وتقل الإصابة.

وأخي الميمني- ولا أحابيه- يرجع مع سعة الاطلاع إلى ذهن مشرق، ورأي في تصحيح النصوص سديد، وحافظة هي رأس المال لمن يتعاطى هذه الصناعة، وحظ من العرب مفرداتها وأساليبها يندر أن يتاح لمن نشأ مثل نشأته، فهذه هي الأصول التي بوأته علمائنا المنزلة التي اعترت بها كل منصف، والمنصفون هم الناس وإن قلّوا. وأصل الأصول في نفس أخينا الميمني إخلاص في خدمة العلم عامة، وافتنان بلغ حدّ التتيم بما أثل علماء الإسلام للحضارة الانسانية، وغيرة بلغت أقصى حدّها على بقايا هذا التراث، أن


* وجدنا هذه الكلمة في أوراق الإمام، ولا ندري هل أرسلت إلى الأستاذ الميمني (رحمهما الله).

<<  <  ج: ص:  >  >>