للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في العناية بنشر العلم وتسهيل وسائله وتشجيع أهله شوطًا لم تقصر فيه عن شأو دولة الخلافة بالشرق، وتيهرت وقلعة حماد والمسيلة وبجاية وطبنة وقسنطينة أخرجت للعالم الإسلامي من أئمة العلم في الدين والدنيا، وفحول البلاغة من الشعراء وفرسان المنابر من الخطباء من كان الشرق يقف أمامهم مبهوتًا من العجب، وناهيكم بتلمسان في العهد الزياني فقد سايرت بغداد في عنان واحد في هذا الميدان.

____

[الإحتلال الفرنسي]

____

احتلّت فرنسا مدينة الجزائر وأطرافها في شهر يوليو من سنة ١٨٣٠ احتلالًا عسكريًا بعد دفاع عنيف من الحامية التركية ومن الأهالي، فُصّلت أخباره في كتب التاريخ الفرنسية، وفي تلك الكتب شيء من الإنصاف والاعتراف بعنف الدفاع والاستماتة فيه، وفيها كثير من الاعتراف بما فعله الجيش الفرنسي من أعمال وحشية، خصوصًا حينما اشتدّت المقاومة العامة. ومن المحزن أن أخبار ذلك الاحتلال الظالم، وأخبار تلك الحرب وما ارتكبه الجيش الفرنسي فيها من موبقات وأخبار الدفاع الشريف الذي قام به الشعب الجزائري، وما أظهر فيه من بطولة وما ظهر فيه من أبطال، كل ذلك لم يسطر فيه حرف بالعربية من أبناء الجزائر، إلا أن تكون مذكرات خصوصية، ماتت بموت أصحابها، أو تناستها الأجيال اللاحقة لأسباب بعضها يرجع إلى تمكن الاستعمار وحرصه على طمس الحقائق التي لا تجري مع هواه، وعمله على نسيان الشعب الجزائري لأمجاده وعلى تصوّره للحقائق مقلوبة أو مشوّهة، حتى تضعف فيه ملكة التأسي ثم تموت، وقد رأيناه بعد استقرار الأمر يحارب التاريخ الإسلامي والتاريخ العربي والآداب العربية من أساسها، لولا أن أحيتها- على أكمل وجه- الحركة الأخيرة القائمة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين كما يأتي بيانه، ذلك لما يعلمه من تأثير التاريخ والآداب في إحياء الشعوب، خصوصًا التاريخ العامر بالمفاخر المملوء بالمآثر، كتاريخ الإسلام عمومًا، وتاريخ العرب بوجه خاص. والسبب في إهمال الجزائريين لتدوين وقائع الاحتلال والمقاومة يرجع إلى أمور، منها أن العهد التركي الذي طال أمده ثلاثة قرون وزيادة لم يكن عهد علم ومعرفة وفن، ولا مشجّعًا عليها، فتناسى الجزائري فيه تلك العهود الزاخرة بالمعارف وتدوينها، عهود بجاية وتلمسان وقسنطينة وتيهرت وقلعة حماد وغيرها من عواصم العلم التي اشتمل عليها القطر الجزائري قبل العهد التركي.

<<  <  ج: ص:  >  >>