للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من وحي العيد *

أيها المستمعون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بأية حال عدت يا عيد؟ أبالجد العاثر، أم بالجد السعيد؟ وهل أنت بشير لهذه الأمم التي تحتفل باستهلالك، وتبتهج باستقبالك، لما ترجوه من حسن الفال وتحقيق الحرية والاستقلال، أم أنت لها نذير بدوام الشقاء واستمرار البلاء، أم أنت كما أنت في حكم الواقع ظرف تتكيف بما لابست، فتدور على السعداء بالسعادة وهو من كسبهم لا من كسبك، وعلى الأشقياء بالشقاء وهو من عملهم لا من عملك؟ أنت يا عيد ختم سنة، ورقيب أعمال سيئة وحسنة، فقل لنا بمن أطلع هلالك، وسن في الاسلام انزالك، ماذا حملت حقيبة العام الماضي من أعمال المسلمين وأحوالهم؟ ويمينًا لو أنطقك الله الذي أنطق كل شيء لأديت شهادة الحق فيهم بنصها، ولدللت حقيقة أمرهم على فصلها، ولقلت غير كاذب إن العام الماضي أظلَّهُم وهم ساهون، وفارقهم بالأمس وهم لاهون، فلا رأيًا نافعًا قرروا، ولا وطنًا مغصوبًا حرروا، وكل ما قطعوا فيه أنّات أحاديث لم يُملها العقل، وأقوال لم يصححها النقل، ونزاع بينهم وجدال، وغلو وتقصير ليس بينهما اعتدال، شقاق مع القريب، ووفاق مع الغريب، وكفر بالاتحاد، وإيمان بالإلحاد، لايَنُوا الأجنبيّ أكثر مما كانوا، ودانوا بطاعته أعظم مما دانوا، وأضاعوا من مصالحهم وأوطانهم وحرماتهم أضعاف ما صانوا، ولولا أربع هن في أعمالهم لمع، وفي عامهم جمع، لكانت صحائفهم في هذا العام كصحائف الفجار ليس فيها حسنة.

الأولى: معجزة حققتها مصر الفتية الثائرة بعد سبعة عقود من السنين بإجلاء العدو الجاثم، الجاني للمآثم، عن القناة التي هي وريد من أوردة الحياة في جسمنا، وطريق من


* حديث لإذاعة صوت العرب، القاهرة في ٢١ ماي ١٩٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>