للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- ٢ - *

الفضيل الورتلاني نشأ نشأة الصبا والحداثة في أحضان الفطرة الطاهرة وفي أحضان الجبال الشماء، فاكتسب من الأولى قوّة الروح، وصفاء العقيدة والصلابة في الدين، ومن الثانية قوّة الجسم، ووثاقة التركيب، وسلامة الحواس، ثم نشأ نشأة الشباب في أحضان جمعية العلماء، ففتح عينيه على الميادين العامرة بأبطالها، وفتح أذنيه على الأصوات المجلجلة بالعلم والإصلاح، من دروس عامرة بحقائق التنزيل والحكم النبوية، ومحاضرات بليغة في التاريخ الإسلامي والأدب العربي، تفيض بالبيان الساحر وتتدفق بالبلاغة الرائعة، فنشأ مؤمنا متين العقيدة، حرًا عميق الفكر، صريحًا لاذع الصراحة، جريء اللسان على كلمة الحق، شجاع الرأي إذا جمجمت الآراء وتخافتت، غيورًا على وطنه غيرته على دينه، إذن فهو معدود من بواكير هذه النهضة المباركة في الجزائر، رافقها في جميع مراحلها وشارك- على فتوته- الشيوخ المحنكين في بنائها.

لازم إمام النهضة عبد الحميد بن باديس سنوات، فتأثر بمنازعه في الخطابة ومواقفه في حرب الضلال، وسقيت ملكته بغيث ذلك البيان الهامي فأصبح فارس منابر، وحضر اجتماعات جمعية العلماء العامة والخاصة، فاكتسب منها الصراحة في الرأي، والجراءة في النقد، والاحترام للمبادىء لا للأشخاص ثم لابس السياسيين، وغشى مجتمعاتهم فرأى من زيغ العقيدة وزيف الوطنية وانحلال الأخلاق- نقيض ما رأى من رجال جمعية العلماء، فثار عليهم ودهوا منه بباقعة، وكان الأستاذ الرَّئِيسُ يقدر له- وهو في الحداثة- عواقب الرجال، ويتخيل فيه مخايل الأبطال، ويقول له كلما رأى منه مخيلة صدق: (لمثل هذا كنت أحسيك الحسا).


* "البصائر"، العدد ١١٥، السنة الثالثة من السلسلة الثانية، ٦ مارس ١٩٥٠م.

<<  <  ج: ص:  >  >>