للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسالة الضبّ*

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حضرة الفيلسوف ولدنا الأستاذ أحمد بن أبي زيد قصيبة حفظه الله ...

وما زلت أنعتكم في رسائلي إليكم بالفيلسوف تنادرًا ومباسطة وتظرفًا، وأنا لا أجهل أنكم تنطوون على شمائل فيلسوف أو تحملون روحه بالتعبير العصري، حتى جاءت هديتكم لأحمد على يدي وهي عبارة عن ضبّ وورل محنطين بالنخالة لا بالموميا، فعاتبتكم- فيما أذكر- عتاب مغفل بما معناه:

أني شببت عن طوق هذه الأحناش، وما كان ذلك العتاب إلا عنوانًا على غفلتي في ذلك الوقت- على الأقل- ثم فاء علي عازب عقلي وضائعُ فكري، ووضعت الضبّ أمامي وتأملت خلقته مرّات في أيام، فوالذي خلق الضبّ والدب، وأنبت النجم والأبّ، فخلق النوى والحب، لقد أذكرني ضبّكم بما كنت أحفظه عما قيل في الضبّ وعلى لسانه، وما ضرب من الأمثال المتعلقة به، ما لو خلعت عليه أيام الصبا جددًا، ونفضت عليه ماء الشباب مدادًا ومددًا، لم أكن لأذكره.

فقد كان هذا الحيوان محظوظًا عند العرب دون كثير من الحيوانات الجزرية فدرسوا ظاهره وباطنه، وعرفوا طباعه فأكثروا فيه القول حتى بلغ هيامهم به، وتمنطقهم بذكره أن نحلوه بعض الخصائص الإنسانية، وزادوا فنحلوه فضيلة لا توجد في الإنسان ولا في غيره من الحيوان كما ستسمع.


* وجّه الإمام هذه الرسالة إلى تلميذه الأستاذ أحمد ابن أبي زيد قصيبة في مدينة الأغواط، بعد أن أهدى هذا الأخير ضبًا محنّطًا للطفل أحمد نجل الإمام، وكان ذلك بتاريخ ١١ شوال ١٣٥٩هـ. (نوفمبر ١٩٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>