للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صفحات مشرقة في تاريخ الثورات *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أيها الإخوان:

سجلت الجزائر بثورتها التي سلخت فيها أربع سنوات وخمسة أشهر صفحات مشرقة في تاريخ الثورات، وستكون هذه الثورة يوم تنتهي إلى غايتها وهي تحرير الجزائر من دَرَن الاستعمار، ويوم يأذن التاريخ بتنسيق أحداثها وترتيب فصولها مرجعًا للجائرين يأخذون منه الزواجر عن ظلم المستضعفين ويعلمون أن لهم ربًا يبعث فيهم من القوى الروحية ما يفل الحديد ويطفئ النار، ومرجعًا للثائرين بالمعنيين لكلمة ثائر، يتعلم منه الثائرون والطالبون للثأر كيف يكون الثأر المنيم، ويتعلم منه الثائرون على العتوّ والطغيان كيف يرمونه بالمقعد المقيم، وكم للجزائر عند فرنسا الطاغية من ثارات وترات.

كانت ثورة الجزائر بدعًا من الثورات منذ كانت تقوم قبل أربع سنوات على ثلاثة آلاف مجاهد، متخذين بالقصد والفعل من جبال أوراس وغاباتها الغبياء وقممها الشوامخ ما يتخذه الأسد منها بالغريزة والإلهام، وكأنهم خلفوا عنها الأسود، يوم غابت عنها الأسود، إلى أن أصبح أولئك المجاهدون ثلاثين ألفًا متفرقين في عدة غابات في الأطلسين الأكبر والأصغر، إلى أن أصبحوا الآن مائة ألف مسلح أو يزيدون، وقد اتصلت أجزاؤها وأصبحت ترتبط بمخابرات آلية يقف المجاهدون بها على حركات الجيش الفرنسي، وبنظام من التجسس يؤدي إليهم نيات ذلك الجيش واتجاهاته وبقيادة منظمة تقوم بها طائفة من أبناء الجزائر الذين أدوا الخدمة العسكرية في الجيش الفرنسي، وجلبوا لفرنسا النصر في عدة مواقع، فكافأتهم بالكلام المعسول والوعد المعلول في أيام الحرب، ثم تنكرت لهم بعد خروجها من المأزق.


* ملخص لمحاضرة ألقاها الشيخ في آخر الربع الأول من عام ١٩٥٩، بجمعية الشبان المسلمين بالقاهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>