للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيها الإخوان.

إن في الثورة الجزائرية المشتعلة نارها اليوم لمشابه من حروب الإسلام في فجر الإسلام، وإن في رجالها لخصائص من رجال تلك الحروب، فكم نصرت فيها الفئة القليلة على الفئة الكثيرة، وكم نصر فيها العشرة على المئتين كما كان فرض القتال في أول الإسلام قبل النسخ، والنسخ ليس نقضًا للجبلة ولا محوًا لأثر الإيمان في القلوب المستعدة، ولا إطفاء لبشاشته حين تخالط النفوس، وإنما هو تخفيف ورحمة وتحديد لقيمة المؤمن في القتال وما يريد به على عدوه في الوزن الحسي، وأنه يساوي اثنين من عدوه، بحيث يحرم عليه الفرار منهما وتوليتهما الأدبار، ومعلوم في رأي العين أن المتقاتلين- وإن كانا يستويان أو يتقاربان في القوة الحسية- يتفاضلان في الدوافع الروحية والمعاني التي يتقاتل عليها الناس كالحمية للدين والدفاع عن الأحساب والأوطان والأعراض والأموال، واشرف هذه الدوافع وأعلاها عند المؤمن هو القتال لاعلاء كلمة الله، وإقامة الحق والعدل في الأرض، ومنذ ضيع المسلمون هذا المقصد الأعلى سلب الله منهم تلك الروح وثمراتها، وبعد أن كان المؤمن يرجو ثواب الله ويخشى عقابه في كل ما يأتي وما يذر وكان يقتحم الموت غير هيّب- اغتنامًا لرضى الله- فسدت فطرته وبعد عن ربه فوكله الله إلى قادة سوء من المسلمين في القرون الأولى وإلى قادة أولئك القادة من المستعمرين في القرون الأخيرة حتى صيروهم إلى ما ترون، وانتهى بهم هؤلاء القادة إلى هذا المسخ الذي تشهدون. قضوا على كل ما زرعه الإسلام فيهم من همم وعادات وحماية للحقائق وحفاظًا على الشرف، بل جردهم من الإدراك من معاني الشرف حتى أصبح الأخ يقاتل أخاه في سبيل عدوه ويمكّن لعدو وطنه في بلاده، ونحمد الله على أنه ابقى في نفس الجزائري لمحات من أخلاق سلفه، نامت طويلًا في نفسه ولكنها لم تمت، واستسرت حينًا ثم استعلنت في هذه الثورة لأمر يريده الله، ونالت الأحداث من جسمه وتحيّفت ماله ووطنه ولكنها لم تفضِ إلى مكمن الإيمان من نفسه.

والجزائريون في هذه الثورة يقاتلون الاستعمار، فيقتلون عدوين لدودين، يقتلون المستعمر ويقتلون معه طبع الذل والخنوع والخور والفسولة التي ركبت الشرقيين عمومًا والمسلمين خصوصًا، ويقتلون- مع ذلك- الخوف والجبن والرهبة وهي الخصال التي أودت بشهامة العربي وعزة المسلم وصلابة الشرقي ومكن كل ذلك للمستعمر أن يستغل عقولنا وأفكارنا وأوطاننا ويصيرنا خولًا خاضعين لسلطانه ولا خضوع البهائم.

أيها الإخوان:

الاستعمار كله رجس من عمل الشيطان، ولكن الاستعمار الفرنسي هو المثل الأسفل من أعمال الشياطين، وكأن الشيطان استعرض أتباعه وامتحن أشياعه، فوجد الجنس اللاتيني أخلص هؤلاء الأتباع في طاعته، وأطوعهم مقادًا في أمره ونهيه، وما يأمر إلّا بالفحشاء

<<  <  ج: ص:  >  >>