للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرأة المسلمة في الجزائر *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أيها الإخوان المسلمون، أيتها الأخوات المسلمات:

مواضيع الحديث عن المسلمين كثيرة لأن أمراضهم كثيرة، ومن قضى الله عليه بأن يتحدث في شؤون المسلمين اليوم أو يكتب عنهم، فقد ساق له نوعًا من الغنى لا يعرفه الناس ولا تعرفه القواميس، أما الناس فإنهم يعدّونه غنى خير منه الافلاس، أما القواميس فإنها لا تعرف من الغنى إلّا ما عرفته العرب، والعرب- وإن اتسعت لغتهم وتشقّقت ألفاظها عن بحر زاخر من المعاني- لم يكونوا مسلمين، وإنما كانوا مسوقين بفطرة الله في أول أمرهم، وبهداية الدين في آخره، وكانوا مخلصين للإثنين كل في دولته، كانوا مشركين فوحّدوا، ومشتّتين فاتحدوا، وكانوا رعاء غنم فأصبحوا رعاة أمم، وكانوا مجدبين فأمرعوا، ومدلجين فأصبحوا، وكانوا شجعانًا فثبّت الإسلام فيهم الشجاعة، وأجوادًا فحثّهم الإسلام على السماحة، وتمّم بنبيّه مكارم الأخلاق فيهم، فرجعت خيالاتهم إلى الحقيقة.

أما المسلمون اليوم فليسوا من ذلك في شيء، بل ليسوا من معنى الأمة في شيء إلّا بضرب من التجوز والتساهل، هم جسد يثبت وجود الواسطة بين الموت والحياة كما أثبتها القرآن لأهل جهنّم، هم جسد بعض أجزائه أشل معطل، وبعضه مصاب بعاهة تمنعه العمل فهو كالأشل المعطل، وبعضه مستعمل في غير ما خُلق له فهو كالكلمة المحرفة عن وضعها في اللفظ أو المنحرفة عن موضعها في الجملة، فهي لا تحدث إلّا التشويش والالتباس وفساد المعنى.

لذلك كثرت المواضيع أمام المتحدث عليهم أو الكاتب عنهم وتعدّدت إلى غير حدّ، وتكاثرت عليه الضباب حتى لا يدري ما يصيد، ولا يدري بأيها يبدأ ولا بأيها يختم، وهو


* من محاضرة عن "المرأة" أُلقيت في "جمعية الشبّان المسلمين" عام ١٩٥٣م.

<<  <  ج: ص:  >  >>