للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فلسطين (٧)]

أما عرب الشمال الافريقي ... *

ــ

أمّا عرب الشمال الافريقي فهم عرب ولا فخر، وواجبهم في إنقاذ فلسطين هو واجب جميع العرب مع اعتبار العذر. ولكن ... الله لعرب الشمال الافريقي وما يلقون من ظلم الجار، وبعد الدار، وَعَنت الاستعمار، يتجاورون مع اليهود في وطن، ولكل منهما في فلسطين هوًى ملحّ يصهر الجوانح، ولكنّ أحد الفريقين يعلن هواه إلى حد العربدة فيُعذر ولا يُعذَل، والآخر يُخفي هواه ويخشى أن تنمّ عليه نأمة فيناقشُ الحساب.

يقيم اليهود معسكرات التدريب، ويُجَهزون سفن التهريب، كل ذلك تحت سمع الاستعمار الفرنسي وبصره، فلا يجدون منه إلا الأمن والعافية، والأعين الغافية، ولو همّ العرب بشيء من ذلك أو بأقلّ القليل منه، لقامت قيامة الاستعمار الفرنسي، واستخرج لكل حركة اسمًا مما اشتمل عليه قاموس المحرَّمات، وربط بكل اسم منها عقوبة تنصّ عليها القوانين المدَّخرة لوقت الحاجة.

ويسافر اليهود إلى فلسطين أو إلى حيث يشاءون لأنهم فرنسيّون بالاستلحاق على مذهب الأستاذ "كريميو"، ولا يستطيع العرب أن يجاوزوا الحدود لأنهم "مدجّنون"، والتدجين من لوازمه تشديد المراقبة، وتغليظ المعاقبة.

ويجمع اليهود عشرات الملايين باسم فلسطين لتكون في السلم أدوات تعمير، وفي الحرب آلات تقتيل وتدمير، فلا يحول بينهم وبين ذلك قانون ولا كانون، ولو أراد العرب شيئًا من ذلك لوجدوا أمامهم القوانين العائقة، والإجراءات الخانقة.

ويرى الرأي العام الفرنسي المسيطر على هذا الشمال، ومن ورائه الضمير الأوربي الذي يؤمن به بعضُ الأغرار منّا، هذا التفاوت في العمل والمعاملة، فلا يغُضّ من عنان الحرية لليهود حتى يرجعهم إلى الحد المعقول، ولا يسلسُ للعرب حتى يقفوا مع اليهود في درجة واحدة.


* نشرت في العدد ٣٠ من جريدة «البصائر»، ٥ أفريل سنة ١٩٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>