للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[العمل في فرنسا]

في فرنسا جالية عظيمة من المسلمين الجزائريين، تبلغ مآت الآلاف، متفرقة على مدن الصناعة، عاملة على كسب القوت، بعد أن أجلاهم الاستعمار عن وطنهم بأساليبه المعروفة، فخرجوا منه مكرهين كمختارين، وقد قضت عليهم الضرورة أن يعيشوا في وطن ليس فيه إسلام ولا عربية وأن تطول إقامتهم فيه أو تدوم، وقضت على بعضهم أن ينقل إليه زوجته المسلمة أو يتزوج فيه من أجنبية وينسل، وقد بلغ عدد أطفالهم في باريس وضواحيها نحوًا من عشرين ألف طفل.

هذه أمة كاملة لو اجتمعت لعمرت مدينة، أو كونت مملكة كمملكة شرق الأردن، حملها طلب القوت على النزوح من وطنها الأصلي إلى وطن آخر، وعلى العيش بين أمة قوية في العدد، قوية بالعلم والعمل، فمن الطبيعي أن تتحلل وتذوب فيها، ومن الطبيعي أن تنسى دينها ولغتها، وجميع مقوماتها، ومن الطبيعي أن يصير هذا العدد على مر السنين زيادة في تلك الأمة القابلة للامتزاج، بقدر ما يكون نقصانًا من الأمة الجزائرية، فمن المسؤول عن هذه الكارثة التي تنقص منا وتزيد في غيرنا؟

كانت جمعية العلماء فكرت في هذه القضية الخطيرة وتدبرت عواقبها، قبل أن يبلغ العدد إلى هذا الحد، فرأت من الواجب عليها، ومن الأشبه بها، ومن جنس عملها، أن تلتفت إلى هذه الطائفة وتهتم بها، وأن تتخذ الوسائل لإنقاذها من الكفر والذوبان والانسلاخ عن العروبة والإسلام، وبدأت عملها التجريبي سنة ١٩٣٦ على يد الأستاذ الفضيل الورتلاني، ذكره الله بخير الذكر، وأمدته بطائفة من المعلمين، يوجد منهم بينكم الآن أربعة أو خمسة، وكانت الأماكن متيسرة إذ ذاك، فاستطاع الشيخ الفضيل أن يفتح في مدة قصيرة أحد عشر ناديًا مقسمة على أحياء باريس، واستطاع بلباقته أن يجمع الناس فيها على دروس الدين وتعليم الصبيان، واستطاب المسلمون الجزائريون ذلك فأمدوه بالعون والتأييد، ونجحت الحركة أيما نجاح، ومدت مدها إلى عدة مدن في الجنوب، واطرد النجاح فيها، قريبًا من ثلاث سنوات، وخرج الورتلاني من فرنسا، وجاءت الحرب فقضت على تلك الحركة، فلم يبق لها أثر، إلّا بعضًا من رجال ذلك العهد يتحسرون عليه ويتعللون با ذكريات.

ولما انتهت الحرب فكرت الجمعية في إحياء الحركة، فأوفدت أحد رجالها الشيخ سعيد صالحي ليدرس الأحوال، ويمهد للأعمال، فوجد عقدة العقد هي قضية الأماكن، ومنذ سنتين كلفت الجمعية رئيس شعبتها في باريس، ومعتمدها في أوروبا الشيخ عبد الرحمن

<<  <  ج: ص:  >  >>