للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يتأتى للحكومة أن تقول: إن عملية الرخصة بسيطة، وما هي إلا طلب وإيجاب، وقد امتحنا هذا القولَ فوجدْنا الحكومة تيسّر على من رضيتْ عنه، وتعسّرُ على المغضوب عليهم، وتدخل بهم في بحر من الإجراءات لا ساحلَ له، حتى ييأسَ الآمل، ويفتر العامل.

إن الحكومة التي لا يعجزُها أن توجد للحق ضرائرَ من الباطل، ولا يعجزُها أن تثيرَ الغبارَ في وجوه العاملين للخير، ولا يعجزُها أن تمنعَ المسلمَ من الحج- لانتسابه إلى جمعية العلماء أو لمشرَبه السياسي- لا يعجزُها أن تجعلَ من طلب الرخصة وسيلةً للمنع.

وجمعية العلماء تستنكر كذلك هذا التجاهلَ الممقوت من الإدارات الحكومية، للعلاقات الوثيقة بين المدارس والجمعية، وللإشراف الفعلي من الجمعية على المدارس، بل للتأسيس العملي من الجمعية لكثير من المدارس، تطبيقًا للفصل السادس من قانونها، فالحكومة تتجاهل كل هذا ولا تريد أن تفهمه ولا أن تعترف به؛ يدل على ذلك ما وقع من التعطيل لمدرستي "بني منصور" و "سيدي عيسى" من عمالة (٦) الجزائر، ولمدرستيْ "قايس" و "عزّابة" من عمالة قسنطينة، وكل ذلك وقع في هذه الأيام، أيام الجمهورية الرابعة، والتفاصيل عند الإدارة، وما المظلوم فيها بأعلم من الظالم.

والحقيقة التي يجب أن تفهمها الحكومة، هي أن المدارسَ التي تشرف عليها جمعية العلماء وحدةٌ لا تتجزأ، والجمعية هي المسؤولة عن جميعها من حيث التعليم؛ فمن حسن الذوق، إن لم يكن من حسن النظام، أن تعتبرَها الحكومة على حقيقتها، فإذا حدث ما يوجب تدخلها، خاطبتْ في ذلك الجمعيةَ، لا المعلمَ ولا الجمعيةَ المحلية.

وخلاصة رأي جمعية العلماء في التعليم العربي، أنه أصبح ضرورةً من ضرورات الأمة، وأن القرارات المتعلقةَ به كلها ترمي إلى التضييق عليه وقتله، وأن تنفيذها موكول إلى عمال يتولونه بالغرض والهوَى، وقد كثرتْ هذه القرارات وملحقاتها وشروحها. حتى أنسى آخرها أولها؛ وأن الحكومة قد تشككت عن تنفيذها لمكيدة، ولكنها تبقى كالأسلحة المدسوسة لوقت الحاجة، وأن الأمة فهمت هذا فأصبحتْ لا تثق بوعد، ولا تطمئن إلى سكوت، حتى تلغى هذه القرارات، وتتلاقى الأمة والحكومة على قرار واحد معقول، لا ينفرد بوضعه عقل واحد بل عقول.

... والصحافة العربية

لا تزال آثار ذلك القرار "الشّوطاني" (٧) باديةً في معاملة الصحافة العربية واعتبار لغتها أجنبيةً


٦) عَمالَة: مُحافَظة- وِلاية.
٧) شوطان أحد رؤساء الوزارات الفرنسية وأحد أقطاب الاستعمار وهو الذي أصدر قانونًا بمرسوم يصرح باعتبار العربية لغة أجنبية في الجزائر.

<<  <  ج: ص:  >  >>