للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجمعية العلماء التي تعد أشرفَ أعمالها تعليمَ العربية، قد أقامت خمسة عشر عامًا تطالب في غير ملل بحرية التعليم العربي الذي هو أساسُ التعليم الديني، وما زالت تصارع العوارض الحائلةَ، وهي عوارض القرارات الإدارية، والقوانين الموضوعة لخنق العربية وقتلها؛ وما زالت الجمعية تنكر تلك القرارات وتقول عنها في صراحة: إنها قراراتٌ جائرة أنتجتها ظروف خالية من الرحمة ومن الكياسة، وأملتها أفكار خالية من الحكمة والسداد، وبواعثُ من الغرض والهوى؛ يؤيد ذلك كله وحيٌ من شيطان الاستعمار المريد، فجاءت في مجموعها لا تستند على منطق ولا نظر سديد، وإنما تستند على القوة أولاً، وعلى الحيلة ثانيًا، وعلى العنصرية البغيضة ثالثًا.

إن جمعية العلماء، باسم الأمة الجزائرية المسلمة عمومًا، تطالب الحكومة الجزائرية (٣) الاستعمارية- في إلحاح- بإلغاء جميع القرارات القديمة المتعلقة بالتعليم العربيّ، واستبدال قانون موحد عادل بها، لا يكون من طرف واحد، كالقرارات القديمة، بل يكون للأمة رأيٌ فيه، ولجمعية العلماء اشتراك في وضعه، ويكون واضحَ الدلالة، بيِّنَ المقاصد، صريحَ المعاني، لا إبهام فيه ولا غموض.

وجمعية العلماء ترى أن التعليمَ العربي الذي تسعى لحريته وترقيته هو جزء من التعليم العام الذي هو وسيلة التثقيف، والتثقيف هو أشرف مقاصد الحكومات الرشيدة، وإن الحكومات الرشيدة لتلتمس المعونةَ على تثقيف شعوبها من كل من يستطيعه من جمعيات وأفراد، وتبذُل لهم من التنشيط والتيسير ما يحقق ذلك، فما بالُ الحكومة الجزائرية الاستعمارية تعاكسُ وتضَع العراقيلَ في طريق التثقيف مع أنها عاجزة- باعترافها- عن تعميمه ونشره؛

أليست تلك المعاكسات كلها لأن التعليم عربى إسلامي؛

أليست النتيجة المنطقية أن تلك المعاكسات كلها حرب على الإسلام والعربية؛

بلى ... وإن ذلك لهو الحق الذي لا تغطيه مجاملات الخطب، ولا تزويق الألفاظ ولا أكاذيب رجال الحكومة، إن جمعية العلماء تشكوُ مر الشكوى من تلك القرارات بأجمعها، وتستنكر بنوع خاصّ ذلك القرار المتضمن لإيجاب الرخصة على المعلم، لأن هذا القرارَ إن سهل تنفيذُه في عمل شخصيّ، كمعلم، في مكتب، فإنه لا يسهُلُ العملُ به على جمعية عظيمة، تدير عشرات المدارس وتُشرف على مئات المعلمين، لأنها قد تنقل معلمًا في كل يوم، وقد ينفصل عنها معلمٌ في كل يوم وقد يموت. ففي تكليفها العملَ بهذا القرار تكليف بما لا يُطاق ولا يتم معه عمل.


٥) الحكومة الجزائرية: هي الولاية العامة الفرنسية في الجزائر.

<<  <  ج: ص:  >  >>