للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يختلف الفقهاء في هذه الحفلات المولدية وهل هي مشروعة أو غير مشروعة، ويطيلون الكلام في ذلك بما حاصله الفراغ والتلهي وقطع الوقت بما لا طائل فيه، والحق الذي تخطّاه الفريقان أنها ذكرى للغافلين وإنما لم يفعلها السلف الصالح لأنهم كانوا متذكرين بقوة دينهم وطبيعة قربهم، وعمارة أوقاتهم بالصالحات.

أما في هذه الأزمنة المتأخرة التي رانت فيها الغفلة على القلوب، واستولت عليها القسوة من طول الأمد واحتاج فيها المسلمون إلى المنبّهات، فمن الحكمة والسداد أن يرجع المسلمون إلى تاريخهم يستنيرون عبره، وإلى نبيّهم يدرسون سيره، وإلى قرآنهم يستجلون حقائقه، وإن من خير المنبّهات مولد محمد لو فهمناه بتلك المعاني الجليلة.

أيها المسلمون: قبل أن تقيموا حفلات المولد أقيموا معاني المولد، وتدرّجوا من المولد المحمدي الذي هو مولد رجل إلى البعثة المحمدية التي هي مولد دين نسخ الأديان لأنه أكمل الأديان، وهنالك تضعون أيديكم على الحقيقة التي تهديكم إليها هذه الذكرى.

حاسبوا أنفسكم في كل عام من أين انتقلتم وإلى أين وصلتم، أشيعوا بينكم في هذه الذكريات المحبة والأخوة والاتحاد على الحق. واذكروا أن صاحب هذه الرسالة بعث بالعزّة والكرامة والعلم والقوة، فكونوا أعزّة وكونوا أحرارًا وكونوا أقوياء، واعرفوا محمدًا بدينه وقرآنه وسيرته لا بمولده، وأقيموا دينه، ولا عليكم بعد ذلك أن تقيموا مولده أو لا تقيموه.

إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - يطالبكم بإقامة الدين لا بإقامة المولد، وإن دينكم دين الحقائق والأعمال والنُظم فارجعوا إلى تلك الحقائق وانصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.

[- ٢ -]

من الخير للمسلمين أن يسيروا إلى الأمام دائمًا بأبدانهم وعقولهم مع الأمم الزاحفة إلى الحياة، المتزاحمة على مواردها، أو أمام الأمم الزاحفة المتزاحمة، مندفعين بحداء القرآن إلى الحق الذي تؤيّده القوّة، وإلى القوّة التي يؤيّدها الحقّ، ليعمروا هذا الكون بالعدل والصلاح والإحسان والخير والمحبّة، ويتحقّق وعد الله إياهم بالاستخلاف في الأرض، وتمكين دينهم الذي ارتضاه لهم فيها، وتبديل خوفهم أمنًا إذا آمنوا وعملوا الصالحات وعبدوا الله ولم يُشركوا به شيئًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>