للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أغرانا الغرب بنبذ الجنسيات واعتناق المبادئ في الوقت الذي يدين فيه هو بالجنسيات ويكفر بالمبادئ. فصهيون قائمة على العنصرية الإسرائيلية، والهتلرية بالأمس قائمة على العنصرية الجرمانية، وروسيا اليوم رغمًا عما تزعمه من النزعة العالمية قائمة على العنصرية السلافية، والانكليز على السكسونية، وأمريكا كشكول جمعته القوانين المصلحية والاجتماع المادي، وسيأتي يوم ينتشر فيه الحقد، فينتثر ذلك العقد.

وليس العرب دون هذه الأجناس استعدادًا ولا عددًا لو دانوا بهذه العقيدة، ودعوا إلى هذه الدعوة، وأنا بصفتي عالمًا مُسْلِمًا لا أقول بالعصبيات الجنسية، والوطنيات الضيّقة، وإنما أدعو إلى الوطنية الواسعة، والعقيدة الروحية الجامعة، فإذا تمّت ورسخت أصولها في النفوس فإنها لا تنافي التمسّك بالجنسيات من غير تعصّب، وذلك هو التحقيق لسنّة الله الذي جعل الناس شعوبًا وقبائل ليتعارفوا.

أيها الشباب:

نقتصد في الوقت لنوفّر للموضوع المطلوب بعض حقّه وحقّكم فيه، ومن الخير- قبل مسّ صميمه- أن نعرّفكم بالجزائر منذ ظلّلها الإسلام برحمته، ونعرض عليكم- في إيجاز- التقلبات السياسية والاجتماعية التي عرضت لها من لدن الفتح، ونلمح إلى الدول التي نشأت فيها ومن صميمها، وإلى صلتها بجارتيها تونس ومراكش، وإلى عواصم الحكم والعلم فيها، وإلى أقسامها الطبيعية، وإلى تحديداتها الإدارية في العهدين التركي والفرنسي، وإلى ما يفيدكم ويقوّي معلوماتكم عنها مما يجرّه الحديث المرتجل، ثم نمرّ بكم على تاريخ الاحتلال الفرنسي حتى نخرج إلى صميم الموضوع.

كانت كلمة الجزائر التي تطلق اليوم على عاصمة القطر، ثم على القطر كله تستعمل في أوائل ما أطلقت- مضافة، فيُقال "جزائر بني مزغنان"، وبنو مزغنان قبيلة بربرية تعمر ساحل البحر، حيث المدينة الآن، وكانت في هذا الموضع من شواطئ البحر الأبيض صخور بارزة في الماء يصطنعها الصيّادون لصيد السمك، ولسكناهم في السنة أو في معظمها، فيطلق عليها الناس لفظ "جزائر" لتعدّدها وتقاربها وإحاطة الماء بها، ثم هجر المضاف إليه تخفيفًا في الاستعمال، وشاعت كلمة الجزائر المجرّدة علمًا على المدينة التي غطّت الساحل الجميل، واتّسع عمرانها حتى غطّى الجبل الذي تستند إليه. وهي تقع بموضع مدينة قديمة اسمها "إكوسيوم"، ولم تتخذ الجزائر عاصمة لهذا القطر الواسع إلا في العهد التركي.

[فتح العرب لأفريقيا الشمالية]

كانت كلمة "إفريقية" تطلق لأوائل الفتح الإسلامي العربي على قطعة صغيرة من هذه القارة العظيمة، هي موقع المملكة التونسية اليوم تقريبًا، أما إطلاقها على القارة كلها فهو

<<  <  ج: ص:  >  >>