للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ٢ - *

نرجع إلى المدرّس (١):

إن هذا المدرّس لم يزد على أن فضح نفسه وأساء إلى العلم وسخر من قراء كتابه.

أما فضيحته لنفسه فلا شأن لنا بها. والنفس نفسه وقد أنزلها المنزلة اللائقة بها. وأما إساءته إلى العلم فهي التي أنطقتنا. وقد فحصنا الكتاب كما يفحص الطبيب المريض المشرف على الموت، فإذا سكن النبض قال: قد مات. ونحن نقول إن هذا الكتاب ولد سقطا فلم يعمر به فراغ في الخزائن ولا فراغ في النفوس.

وأما سخريته من القرّاء فإنهم لا يفهمون من الكتاب إلا أنه علم، والعلم كالسلع رخيص وغال، فإذا لم يجدوا لا هذا ولا ذاك فماذا عسى أن يقولوا؟

إنهم يقولون إن المؤلف أراد أن يتقرب إلى قلوب طائفة مخصوصة ليروّج كتابه بينها بحكم "الماركة " (٢) والاسم، لا بحكم الحقيقة والعلم ... ودليل ذلك أنه بدأ بنبز المصلحين ليدخل من هذا الباب إلى نفوس تلك الطائفة، ثم اقتصر من البحر على قطرة فقال: ومن كراماته، ومن كرامته، لأن هذه هي الجهة الحساسة في الموضوع. وهي كذلك الجهة الرائجة في هذه الأيام (جذبًا ودفعًا) ليكون النبز والكرامات- وهي كل ما في الكتاب- أدعى لرواج الكتاب ...

ولو استشارنا حضرة المؤلف وباح لنا بذات صدره، لقلنا له: لا تطمع في رواج الكتاب بين هذه الطائفة إلا إذا كنت عازمًا على إهداء نسخه كلها. لأن هؤلاء القوم تعوّدوا (هات) ولم يتعوّدوا (هاك)، ولكل امرئ ما تعوّد.


* "البصائر"، السنة الأولى (من السلسلة الأولى)، عدد (١٩)، بتاريخ ١٥ ماي ١٩٣٦.
١) المدرّس المشار إليه هو "عبد الحميد حميدو" لا محمد كما ذُكر خطأ في القسم السابق من المقال.
٢) كلمة أجنبية معناها "العلامة".

<<  <  ج: ص:  >  >>