للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ديسمبر الآتي، ورجاء أن أرأس جلسته الثانية (أو إحدى جلساته) وأن سماحة مفتي فلسطين قبل أن يرأس الجلسة الأولى، الخ.

أثّر فيّ ذلك الشاعر المسنّ بسنّه وشيبته وصوته المتهدّج، وشجاني منه ما شجا أبا تمام من الغناء الأعجمي، فشكرته شكرًا معتصرًا من قلبي وإن لم يفهم هو أيضًا ما أقول، وتخلّصت إلى المعاني العامة التي هي سرّ رحلتي، وشرحت وظيفة العالم بما تفهم منه أعمال الجمعيات ووظائف العلماء، وأعرضت عن تلك الجزئيات التي تضمّنتها خطبة الترحيب، لأن زمنها غير قريب، ولأنه ليس من العدل ولا من العقل أن يقطع علماء الإسلام الآلاف من الأميال، وينفقوا عشرات الآلاف من الأموال، ليحضروا مؤتمرًا يقرّر عليهم إقامة حفلات الموالد، كأنه لم يبقَ للمسلمين من المصالح إلا هذا ... ويا ضيعة الأعمار ...

...

____

[رحلتي إلى كشمير والدواخل]

____

كانت هذه الرحلة غاية التقت عندها رغبتي ورغبة الحكومة، فأنا رحّالة دارس لأحوال المسلمين، ومن أراد أن يعرف باكستان فلا يعرفها من كراتشي. إن كراتشي لا تبلّ غليلًا، ولا تشفي عليلًا، وفيها ما في العواصم مما يضلّ ويزلّ، وفي باكستان عواصم تاريخية، وجوامع أثرية، وجامعات علمية، ودور كتب، وآثار مجد قديم، وعلماء، وآراء وطبائع، وعادات، وأجناس، ولغات، وعناصر أخرجها الاحتكاك عن مجاريها، ومناظر تسحر، وأودية تزخر، فلا يتمّ الغرض من الرحلة إلا بالتقصّي والاستيعاب، وهناك مشكلة كشمير، والآراء في حلّها مختلفة، والنقد متطاير من عدّة جهات إلى الحكومة، وهناك مشكلة الحدود، والخلاف عليها مستحكم بين دولتين إسلاميتين، ولكلتيهما آراء، فيهمني أن أدرس المشكلتين في موضعهما من الأرض، وفي موضوعهما من الناس، فأستفيد شيئًا لنفسي، تتّسع به مداركي، وتزيد به معارفي، وشيئًا آخر لقومي إذا كتبت لهم أو تحدّثت، وشيئًا آخر يثقل به ميزاني عند الله، من كلمة نصح أقدمها للحكومتين، وكلمة حق أنشرها للأمم الإسلامية، ولي لسان ولي عقل ولي قلم، أربعو أن لا أضرّ بها إذا لم أنفع.

وحكومة باكستان يسرّها أن يطّلع أصحاب الأقلام والأفكار من المسلمين على الحقائق، فينشروا دعايتها، وينصروا دعواها، ويكونوا إلى جانبها في قضية كشمير، ووسطاء خير على الأقل في قضية قبائل الحدود، وهي على حق في هذا كله.

<<  <  ج: ص:  >  >>