للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من نفحات الشرق

الأستاذ الشيخ محمد بهجة البيطار *

ــ

علم من أعلام الإسلام، وإمام من أئمة السلفية الحقّة، دقيق الفهم لأسرار الكتاب والسنّة، واسع الاطّلاع على آراء المفسّرين والمحدثين، سديد البحث في تلك الآراء، أصوليّ النزعة في الموازنة والترجيح بينها، ثم له- بعدُ- رأيه الخاص. يوافق ما يوافق عن دليل، ويخالف ما يخالف إلى صواب، لأنه مستكمل للأدوات المؤهلة لذلك، ولأنه يفهم القرآن على أنه أصل ترجع إليه الآراء والمذاهب والفهوم، وأنه كتاب الكون، ودستور الإنسانية، لا كما يفهمه كثير ممن كتبوا في التفسير. فجرّدوا أقلامهم لتسطير أفهام غيرهم، وجرّدوا القرآن من خصائصه العليا، وقيّدوا هدايته العامة بمذاهبهم الخاصّة.

والأستاذ البيطار مجموعة فضائل، ما شئت أن تراه في عالم مسلم من خُلق فاضل إلا رأيته فيه، مجاوز للحدود المذهبية والإقليمية، يزِن هذه المذاهب الشائعة بآثارها في الأمة، لا بأقدار الأئمة، ويعطي كُلًّا ما يستحق، جريء على قولة الحق في العلميات، ولكن الجرأة منه يلطفها الوقار، والوقار فيه تزيّنه الجرأة، فيأتي من ذلك مزاج خُلقي لطيف، متساوي الأجزاء، مُلتحم الخلايا، قل أن تجده في أحد من علمائنا المعدودين.

والأستاذ البيطار مفكّر عميق التفكير، وخصوصًا في أحوال المسلمين، بصير بعللهم وأدوائهم، طَبٌّ بعلاجهم ودوائهم؛ يرى أن ذهاب ربحهم من ذهاب أخلاقهم، وأن معظم بلائهم آتٍ من كبرائهم وأمرائهم وعلمائهم، وهو يعني كبراء الدعوى، وأمراء السوء، وعلماء التقليد. يرجع في ذلك كله إلى استقلال في الفهم والاستدلال، ومقارنات في التاريخ والاجتماع، وتطبيقات مصيبة للحقائق الدينية على السنن الكونية، وله في الإصلاح الديني سلف صدق، حقّقوه علمًا، وطبّقوه عملًا. يعتمد في تحصيله وتربيته على طودَيْن شامخين من أطواد


* نشرت في العدد ٦٤ من جريدة «البصائر»، ٢٤ جانفي سنة ١٩٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>