للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عبد الحي الكتاني *

ما هو؟ وما شأنه؟

ــ

في لغة العرب لطائف عميقة الأثر، وإن كانت قريبةً في النظر؛ ومنها التسمية بالمصدر والوصف به؛ يذهبون بذلك إلى فجّ من المبالغة سحيق، تقف فيه الأذهان حسرى، ويغالَط به الحسّ فيتخيّل ذوبان الموصوف وبقاء الصفة قائمةً بذاتها؛ كأن الموصوف لكثرة ما ألحّت عليه الصفة وغلبت أصبح هو هي أو هو إياها؛ وعند الخنساء الخبر اليقين حين تقول:

* فإنما هي إقبال وإدبار *

وعلى هذا يقال في جواب ما هو عبد الحي؟ هو مكيدة مدبّرة، وفتنة محضرة؛ ولو قال قائل في وصفه:

شّعْوَذَةٌ تَخْطِرُ فِي حِجْلَيْنِ ... وَفِتْنَةٌ تَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ

لأراح البيان والتحليل، كما يقول شوقي؛ ولعفّى على أصحاب التراجم، من أعاريب وأعاجم، ولأتى بالإعجاز، في باب الإيجاز؛ إذ أتى بترجمة تُحمَل ببرقيّة، إلى الأقطار الغربية والشرقية، فيعمّ العلم، وتنتشر الإفادة، وتذيع الشهرة ... ولو أن الرجل وصف نفسه وأنصف الحقيقة في وصفها لما زاد على هذا البيت، ولو شاء "تخريج الدلالات السمعية" (١) على ذلك لَما أعجزه ولا أعوزه؛ ولكن أين من عبد الحي ذلك الإنصاف الذي لم يخلُ منه إلا شيخ الجماعة الذي حادّ الله وقال: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}.


* نُشرت في العدد ٣٣ من جريدة «البصائر»، ٢٦ أفريل سنة ١٩٤٨.
١) تخريج الدلالات السمعية: كتاب في أصول الوظائف الشرعية للخزاعي، اختلس الكتاني نسخة خطية منه من مكتبة عمومية بتونس، ولما ألحّوا عليه في إرجاعها وهدّدوه بتدخل الحكومة، سلخ الكتاب ونسخه في كتاب نسبه إلى نفسه وسمّاه التراتيب الإدارية.

<<  <  ج: ص:  >  >>