للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى مؤتمر التعريب بالرباط *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وصلتني دعوة الأخ العربي المحترم، وزبر التربية الوطنية في المملكة المغربية للحضور في مؤتمر التعريب، ولكن الدعوة لم تصلني إلا يوم ٢٤ مارس بحيث لم يبق على موعد انعقاد المؤتمر إلا نحو أسبوع، وبلغتني الرسالة وأنا ملازم للفراش من مرض أقعدني عن العمل مدة أربع سنوات، فلم أستطع السفر البعيد وأنا على هذه الحالة، ولم أستطع كتابة بحث مفصّل للمؤتمر في بعض ما يتناوله من بحوث في موضوع التعريب، فقلت في نفسي:

هلا واللسان بليل والقلم له صليل، والجسم لا واهن ولا كليل، وقلت لنفسي: وما حاجتنا إلى التعريب ونحن عرب؟ فقالت لي: ما أحوجكم إلى من يطبعكم طبعًا عربيًّا منقّحًا مصحّحًا، بعد أن طبعكم الاستعمار هذه الطبعة المشوّهة الزائفة، ولكني تحاملت وكتبت هذه الكلمات المتهافتة، تتضمن ما أبقته الأيام في ذهني من معان متخافتة.

والتعريب جعل الشيء عربيًّا سواء كان معنى أو مادة، أو إنسانًا، وقد طمعت فيه مخلوقات كثيرة حتى الاستعمار الذي هو معنى من معاني الوحشية ولكنه لبس لفظًا جميلًا من لغتنا ليغرّنا به، فهي تسمية بالضدّ كما سمّوا المهلكة مفازة، واللديغ سليمًا. ولو كنا ممن يغار على لغته أن يدخلها الدخيل من الألفاظ والمعاني لما تركنا هذه الكلمة تجول في لهواتنا، ولأطلقنا عليه اسمه الحقيقي وهو التخريب، إذ لا يوجد في العربية "استخراب" وهو في حقيقة معناه نظام أملاه الشيطان على أوليائه، وأوحى إليهم تفسيره العلمي منتزعًا من طبيعته التي عاهد ربّه عليها بعد خروجه من الجنة، وحدّد لهم حدوده الستة بعلامات اسمها: الشرّ، والمنكر، والظلم، والعلوّ، والفساد، والفحشاء، والتخريب، والأثرة، والغرور، والفتك، والسفك، والافك، والانتهاك.


* رسالة إلى مؤتمر التعرب الذي انعقد بالرباط عام ١٩٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>