للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فلسطين (٤)]

ماذا نريد لها وماذا يريدون *

ــ

نحن العرب نريد لفلسطين أن تكون عربية، وأن تبقى عربية فتبقى لها بشاشة النبوة، وحلاوة الإيمان، وجاذبية الوحي وروحانية الشرف، ومخايل السامية، وصبغة السماء.

نريد أن تبقى عربية الأنساب، سامية الأحساب، سماويّة الأسباب، تتماسك أجزاؤها بروحانية الدين، وتُشرق أرجاؤها بلألأة القدسية، وتُطل جنباتها بأنداء الشرق، وتتراحب آفاقها للقلوب التي تختلف في العبادة ولكنها لا تختلف في المعبود، فتظلّ العرب أصحاب الفضل عليها في التاريخ، والسيادة عليها فى الواقع، والاضطلاع بحمايتها وحماية عُمارها، وإعلاء كلمة الله فيها، لا كلمة الدرهم والدينار، وتظل اليهود الذين لم يكتب التاريخ لهم مكرمة عليها ولا يدًا من يوم قال لهم موسى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} فارتدُّوا على أدبارهم إلى يومنا هذا، وتحفظ عليهم ما هم أحرص الناس عليه من حياة ومال.

نريد أن تبقى أرضًا مقدّسة مكملة لقدسية مكة ويثرب، لا يراد فيها إلحاد بظلم، ولا تقوم على أرضها جبرية حكم ولا جبْرية مال.

ونريد لها أن تبق- كما كانت- جزءاً طبيعيًّا من جزيرة العرب مكملًا لبقية الأجزاء، وما دامت القضية قضية أحلام، فإن لنا في جزيرة العرب لَحُلمًا ... ولكنه أقرب من حلم اليهود للتحقيق، وهو أن تصبح مملكةً واحدة، بدستور واحد، وثقافة واحدة، ونقد واحد، لاحدود تفرِّق، ولا إمارات تغرّب وتشرّق، ولا أمراء تمزّق أهواؤهم وتخرّق، ولم لا تكون دولةً واحدةً؟ وإن فيها لأمةً واحدة، لا تحتاج في تكثير سوادها إلى الطرّاق، وشذّاذ الآفاق، ولا تحتاج في تعمير بلادها إلى الواغل الذي يزحم، والوارش الذي لا يرحم

وما بيننا وبين


* نشرت في العدد ٢٣ من جريدة «البصائر»، ١٦ فيفري سنة ١٩٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>