للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عبرة من ذكرى بدر *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أيها المستمعون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وقعة بدر هي أم الوقائع في تاريخ الإسلام الحربي لأنها أول غزوة شهدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنفسه، بعد غزوات الاستطلاع.

ويوم بدر هو يوم الفرقان لأنه أول يوم انتقلت فيه الدعوة الإسلامية من اللسان والحجة والنظر إلى السيف والدم.

وهي أول وقعة تقررت فيها قواعد الحرب وأحكامه وآدابه، وللحرب في الإسلام معنى غير المعنى الذي يعرفه الناس، وأحكام لم تحد عن العدل وآداب لم تخرج عن الرحمة، فالحرب في نظر الإسلام مفسدة لا ترتكب إلّا لدفع مفسدة أعظم منها، وأكبر المفاسد هي الوثنية التي هي آفة العقل والفكر وحجر العثرة في سبيلهما، ويليهما في الفساد والضرر الوقوف في وجه دعوة الحق وسد سبيلها إلى العقول والأفكار.

وكلتا المفسدتين أتتهما قريش إذ ذاك بحماقتها وغرورها، وكانت قدوة سيئة للعرب فيهما، فكان من رحمة الله بالحق وأهله، ومن تدبيره للدعوة أن أذن لرسوله بإراقة الدماء على جوانبها حتى تسلم وتتغلب على العوائق وحتى تسير في طريقها.

وإذا كان رسول الله قد أمضى خمسة عشر عامًا في الدعوة باللسان الذي ينفذ الحكمة ويمد الرحمة، ويخاطب من الإنسان أشرف ما فيه وهو العقل، فلا عجب بعد ذلك إذا التجأ إلى السيف الذي ينطف بالدم ويخطف الأرواح ويخاطب الأعناق والهامات.

وفي غزوة بدر مواقع للعبر، ومكامن للعظات، ومآخذ للتشريع الحربي ومجالي لسنن الله في الأسباب، ومن المؤسف أن المسلمين افتتنوا بالمظاهر عن استجلاء الحقائق واستنباط


* كلمة ألقاها الإمام من إذاعة صوت العرب بالقاهرة، ١٥ ماي ١٩٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>